أغمضت عيناي لكي لا أرى البؤس والأنين الذي حام حولي منذ نعومة
أظافري، أردت أن احدث زلزالا في طريقة تفكيري وزوايا نظري إلى الامور لعلي أتمكن من
التأقلم مع (سخافة المجتمع) لكن رياح السموم أرخت بظلالها على مخيلتي، فحينما أومضت
عيني بدأت أرى ببصيرتي عالما أكثر بؤسا ونفاقا، وأكثر قتامة وفقرا.
إن نظرتي المشؤومة تخترق كل إرادة مني لإحداث التغيير، وإن
أي تفاؤل مزعوم سيظل مجرد مناورات للتواطؤ مع البؤس القاتم، مع الظلام الدامس والدخان
الأسود المتطاير في كل الأرجاء.
لا شيء جميل في الواقع، فحتى ما نراه في البدء مشعا سرعان
ما يصيبه المحيط بالصدأ فيتلف ويتعفن، وحتى الارادات القوية التي صادفتها في مساري
سرعان ما رأيت ملامح التغيير باديا على ثغورها مع أبسط حظ حالفها، أحاول جاهدا وأنا مغمض العينين متفتح البصيرة استبصار
جواهر الأشياء آملا في استخلاص نور مشع في ركن ما؛ ولكن لسوء حظي لم أرى إلا دخانا
أسود يتطاير في كل الأرجاء مفسدا صفاء الطبيعة، مخفيا تناسق ألوانها الساحرة.
حاولت البحث عن الثابت، لكن لا شيء ثابت غير ذلك الدخان الأسود
المتطاير في كل مكان؛ أفهام حقودة ونظرات عبوسة وصداقة مطاطية تتمدد بالمصلحة وتموت
بموتها، فأين الثابت في العلاقات إذا ؟ أعود لأقول لا شيء ثابت!!.. إلا ذلك الظلام
الدامس وذلك الدخان المتطاير..
أصبحت المادة معيارا للقياس، ومات الاعتبار لكل حب وإحساس،
وتحولت الصداقة إلى بضاعة تباع وتبتاع بالمال فأصابها الصدأ المنبعث من الظلام الدامس
والدخان المتطاير في كل ركن من أركان الوجود. الصدأ وحده يبقى بعد طول العلاقة، فهو
الذي يصيب الأفئدة والقلوب ويتسبب فيها محدثا دخانا أسود كئيب، سرعان ما يفيض ويتطاير
مفسدا الصفاء ومحدثا غيوما لا تمطر إلا النفاق
والجفاء...
تعليقات
إرسال تعليق