لقد دبّ الحزن إلى فؤاده ولم يعرف أسبابه، لكنه مقتنع بضرورة السفر لتغيير الأجواء
الباهتة التي تسم فضاء الواحة هذه الأيام، فالحياة رتيبة وكل ما يجري فيها من أحداث
يعكر في الواقع صفو الحياة، وينيط القناع عن
الألم المضمر في صميم مجتمع العذاب، فقر مدقع يهز أرجاء المكان..، وتمثيليات كبرى في
مسرح المشهد البلدي المتخبط في الصراعات الداخلية العقيمة، مراوغات ومناوشات من أجل
"اللاشيء"، وأفراح بإيقاع طبول حروب الماضي الهمجي يسمع صداها بين الفينة
والأخرى هنا وهناك.
كل شيء في الواحة بالنسبة له يدعوا إلى الاكتئاب والاشمئزاز والتحسر، ولا شيء
"جميل" سوى ابتسامة الوالد والوالدة، وقهقهة ذلك الصبي الوسيم الذي ولد صبيحة
عيد فطر السنة الماضية.كان اليوم في موعد غير
رسمي مع شبح الحزن الكئيب ، أطل عليه من نوافذ طائشة، لم يسلم من لسعاتها التي أعادته
إلى زمن الآهات والزفرات.. وفجأة أطل من ثقبة الظلام مبتسما على مضض ؛ ويبدو أنه وجد
أخيرا الدواء لعلته القاتمة.
لقد فكر بالرحيل عن ثقافة البؤس صوب مكان مناسب يزيح فيه عن قلبه المهموم ثقل
الجرار، فكان لزاما عليه أن يقطع بعض المحطات الضرورية من أجل التزود ببركة الوالد
والوالدة والجد والجدّتين.
فكان بذلك وداع الواحة أكيدا، واختبار مقدرته الذهنية على تحمل محطة جديدة تحديا
جديدا، وما انفكت عاصمة مملكة السلطان حلا مختارا وما أحلاه من اختيار، لاسيما بعد ما تعرف على عينة من طلبة الجنوب الشرقي من الذين ألهموه الكثير من الأفكار، فخرج من عنق
زجاجة الضنك غانما بفكرة ضرورة مواكبة ركوب
التحديات الجديدة في سرداب الحياة الطويل بلا كلل أو ملل...
سمير الساعيدي
تعليقات
إرسال تعليق