لقد أضعنا الليالي الملاح وتهنا في السراب، وخلنا الحياة لعبة
يسهل إحكام المسك بها وتوهمنا العالم كله في قبضتنا الحديدية، وما أن بزغت شمس الحقيقية
وكشفت النقاب عن الظلام الدامس الذي غطى عيوننا لحقب وسنين، حتى أدركنا أن العالم غول
فتاك يستحيل مسكه، ادركنا أن قبضتنا ناعمة كالحرير لا يمكنها أن تعدي ذبابة تافهة،
أدركنا أن القوة التي تتدلى هي نتيجة لجهل يتخفى، لكن الزمن وحده يجعلها تتجلى، لتصيبنا
في الصميم إصابة تجعلنا نبتعد عن السرداب وننأى.
لا شيء يبقى على حاله؛ لا الوضع ولا الأفكار. لا الزمان ولا
المسار، فكل شيء يتغير من حولنا تغيرا مفاجئا، يغدو معه الحلم صناعة قد تتلف وتتعفن،
فتصبح بذلك مجرد ذكرى للحالمين الذين كرسوا كل طاقاتهم في الماضي لتشييد عمران الأحلام
على أوراق ذابلة.
إن أكبر متاهة قد يمضي فيها المرء هو جهله بالمنتظرات والخبايا،
فهي السر الكامن فيما يمكن أن يصادفه المرء في طريقه؛ فإن كان قويا بما يكفي لن تمنعه
العراقيل من إتمام المسير، وإن كان الضعف يعتمل فيه فسيسقط كالبريق وينأى عن الطريق،
وسيتحطم كما تتحطم العصا اليابس في يدي المصارع القوي العابس، تماما كما تحطمت شوكة
عدد كبير من الحالمين قبله وبعده سيتحطم الكيرون...
إن كنت ضعيفا .. فتنحى جانبا لمن هو أقوى فلا مكان للضعفاء
أبدا ...
تعليقات
إرسال تعليق