نشأنا في القصور جنبا إلى جنب، ولعبنا الكرة وتبادلنا الزيارات ووضعنا
كل ترّهات اعرافهم السخيفة خلف ظهورنا، لم نكن نبالي إلا بتحقيق النشوة، وأقصد؛ نشوة
اللعب مع بعضنا البعض، والتخلص من هموم المدرسة وتوصيات الأسر والمحيط، كنا نعشق الحرية..
وكنا فعلا كذلك؛ متحررين وثائرين ضد أي قوة تحاول أن تُخضعنا لقانونها العرفي أو الوضعي،
كنا نحب الطبيعة وننعم بهدوئها، نرعى حيوانها ونباتها ونلعب في رمالها وصخورها. لطالما
كانت لنا رحلات إلى وديان الواحة وقراها الهامشية، ولطالما نسي أحدنا نفسه وظل أبد
الليل مع صديقه "الأبيض"، لم يكن "التمييز" إلا بذرة صغيرة في
قلوبنا الصافية وقتها.
حينما كبرنا وتعلمنا
في المدرسة وأخضعنا المجتمع لتجاربه وطبّـعنا بخصاله الجيدة والرديئة؛ حينها، كبرنا
وكبرت معنا المرارة، تثقفنا بالسموم والكراهية وبدأت المسافة بيننا بالتباعد، حتى بعدما
حصّلنا الشواهد تباعا ترى الجميع قد تنكّب للماضي "الطفل"، ذلك الماضي الذي
كان فيه الحب يتدفق من قلوبنا بلا انقطاع بسبب ما أصابه من رياح التغيير، بعضنا أخذ
بالوعي الثوري ضد قوى غامضة لا يعرف ماهيتها ولا كوعها من بوعها، وبعضنا ظل متكئا على
عصا جحا يجتر الأمجاد والبطولات الخوالي، وبعضنا بدأ يتحسس مرارة التاريخ والجغرافيا
وأزمة الهوية والانتماء !؟
لقد تثقفنا بسموم
الأفكار ومات فينا الاحساس بالإنسان، ترعرعنا وتشربنا ثقافة عمياء لا تبصر إلا الظلام،
قتلنا الماضي - الطفل- رغم براءته وصفائه. أخذنا بثقافة التباعد، فابتعد عنا كل شيء
جميل؛ الحب والصداقة، المودة والتضامن، التلاحم والتآزر.
تعليقات
إرسال تعليق