أنا أفهم كل شيء يا أماه، أفهم ما تفكرين
به وأنت دائمة الرمق إلى دجنة السماء الحالكة، باحثةََ عن ومضة نور قمرِ أو نجمِ
ساطع في السماء ليمنحك الأمان وبعض الامل. أتفهم تلك الأيادي الممدودة إلى السماء
متضرعة إلى الباري عز وجل، ليلا ونهارا، سرا وجهارا، وأتفهم تلك اللآلئَ المبثوثةِ
على خدودِكِ التي ألهبتها حرارة القفار. أدرك يا أماه كم تتألمين لآلامي، وكم
تئنين لأنيني، وكم تبكين بدمعك وقلبك لآهاتي.
أدرك يا أماه كل شيء، فأنت والدتي، منك
خرجت إلى الحياة ثائرا متمردا رافضا الوصاية والسطلة، لأتنفس هواء الصحاري
القاحلة، وأرضخ للمناخ والجغرافيات القاسية، وأتشكل من جبروت الطبيعة وعنفوانها
كرجل لا ترهبه تقلبات الدهر والزمان. ولا تعييه تبدلات الحال والأحوال.
هذا الجمال الساحلي الرطب المبثوث أمامي
لم يثني عزيمتي يوما عن إبداء المديح لمجتمع القفار رغم آهاته المتعالية. وهذه
الأفخاذ البيضاء والحمراء العارية أمامي لم تضعفني يوما ولم استسلم لها راضخا، لقد
كنتُ كما انا رجلا قويا واقفا على قدميه موقف الحصْن المنيع. لم تعصف بي رياح
المدائن ولا غبارها المتطاير، ولم يمسسني شيء من إنسها وجانها، صوتك يا أماه كان
حاضرا معي في أقوالي وفعالي. تربيتك يا أماه ظلت دماء ترويني وتمنحني الحياة وتغديني،
أنا اليوم رجل ثابت له مبدأ يمؤمن به، وله قناعات تؤطره، وله اهداف تقوده، وله
حدود حمراء وزرقاء وأخرى خضراء رسمها بنفسه حول نفسه ومن أجل نفسه.
المال ضعيف أمامي يا امي، والنساء لا
سلطان لهن عليّ ، ولساني منبسط لا يعدي ولا يلسع الناس، لا أزال منتوجا خالصا
لتربيتك وتنشئتك. أنا الثمرة التي ستظل وفية لجذورها مهما نقلت من مكان إلى مكان.
ومن زمان إلى زمان.
فشكرا لك يا أمي.
تعليقات
إرسال تعليق