التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إلى حبيبتي أمي




أنا أفهم كل شيء يا أماه، أفهم ما تفكرين به وأنت دائمة الرمق إلى دجنة السماء الحالكة، باحثةََ عن ومضة نور قمرِ أو نجمِ ساطع في السماء ليمنحك الأمان وبعض الامل. أتفهم تلك الأيادي الممدودة إلى السماء متضرعة إلى الباري عز وجل، ليلا ونهارا، سرا وجهارا، وأتفهم تلك اللآلئَ المبثوثةِ على خدودِكِ التي ألهبتها حرارة القفار. أدرك يا أماه كم تتألمين لآلامي، وكم تئنين لأنيني، وكم تبكين بدمعك وقلبك لآهاتي.

أدرك يا أماه كل شيء، فأنت والدتي، منك خرجت إلى الحياة ثائرا متمردا رافضا الوصاية والسطلة، لأتنفس هواء الصحاري القاحلة، وأرضخ للمناخ والجغرافيات القاسية، وأتشكل من جبروت الطبيعة وعنفوانها كرجل لا ترهبه تقلبات الدهر والزمان. ولا تعييه تبدلات الحال والأحوال.
هذا الجمال الساحلي الرطب المبثوث أمامي لم يثني عزيمتي يوما عن إبداء المديح لمجتمع القفار رغم آهاته المتعالية. وهذه الأفخاذ البيضاء والحمراء العارية أمامي لم تضعفني يوما ولم استسلم لها راضخا، لقد كنتُ كما انا رجلا قويا واقفا على قدميه موقف الحصْن المنيع. لم تعصف بي رياح المدائن ولا غبارها المتطاير، ولم يمسسني شيء من إنسها وجانها، صوتك يا أماه كان حاضرا معي في أقوالي وفعالي. تربيتك يا أماه ظلت دماء ترويني وتمنحني الحياة وتغديني، أنا اليوم رجل ثابت له مبدأ يمؤمن به، وله قناعات تؤطره، وله اهداف تقوده، وله حدود حمراء وزرقاء وأخرى خضراء رسمها بنفسه حول نفسه ومن أجل نفسه.
المال ضعيف أمامي يا امي، والنساء لا سلطان لهن عليّ ، ولساني منبسط لا يعدي ولا يلسع الناس، لا أزال منتوجا خالصا لتربيتك وتنشئتك. أنا الثمرة التي ستظل وفية لجذورها مهما نقلت من مكان إلى مكان. ومن زمان إلى زمان.
فشكرا لك يا أمي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل ...

سلسلة الأعمال الأكاديمية - قراءة في أعمال عبد الرحمان المالكي - مكناس

saidi.samir89@gmail.com مقدمة نظمت جامعة المولى إسماعيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية يومه 16 ماي 2016 ندوة فكرية حاضر فيها أساتذة وأكاديميون احتفاء بأحد أعلام السوسيولوجيا المغربية في الوقت الحالي، ويتعلق الأمر بالأستاذ عبد الرحمان المالكي صاحب كتاب "الثقافة والمجال دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب. ويعتبر الكتاب على حد تعبير جل المحاضرين نموذجا يحتدى به منهجيا للباحثين في مجال السوسيولوجيا عامة وسوسيولوجيا الهجرة بصفة خاصة، بالنظر لغنى الترسانة المنهجية المعتمدة فيه، وللحذر الإبيستمولوجي الكبير الذي أبداه ويبديه الرجل في كل أبحاثه بما في ذلك كتابه الأخير، الشيء الذي جعله متوجسا من نشر دراساته.  لقد كان عبد الرحمان المالكي في ذلك حريصا كل  الحرص على مراجعة بحثه بعناية وبشكل دؤوب، كما كان علاوة على ذلك شديد الحرص على التأني في الكتابة، لأن السوسيولوجيا عنده ما هي إلا تأن وحذر . إن الكتابة السوسيولوجية هي المراجعة المتفحصة للفكرة تلو الفكرة وللمنهج المعتمد في التقصي،  لذلك لازم الحرص والحذر إصدار كتاب "الثقافة والمجال" رغم حاجة المجتمع المغربي ...