saidi.sami89@gmail.com
نعتقد أحيانا بأن التعبير المباشر والصادق عن مشاعر الحب يشعرنا بالضعف أو بالنقص،
وكأن الرجولة تعاش فقط في أجواء مشحونة من الحروب والدمار وتطاير ثناني أوكسيد الكربون
في هواء كان في الأصل نقيا، وهكذا نتوارى أحيانا عن التعبير عن المكنونات الدفينة والأحاسيس
العميقة -الجميلة رغم حاجتنا الملحة إلى هذا التعبير في ظل ما يعيشه الواقع من تمزقات
ومآسي وأزمات.
بالنسبة إليه، لا شيء يبعث على الاطمئنان حاليا غير التعبير عن إعجابه الشديد
بعيون تلك السمراء الجميلة، ولون شعرها المجعد الذي تفوح منه رائحة العطرالصحرواي الساحر.
لا زالت كلماتها تلدغه وهو الآن مرتم على أريكة قديمة في إحدى المنازل الطينية القديمة
الواقعة في إحدى قصور الواحة، في يده اليمنى مجموعة من صور ذكرياتها التي أرسلتها إليه
إبان لحظات الرومانسية والحب والسلام الأولى، وكلما تأمل تقاسيمها إلا وأدرك أن جمالها
طبيعي خالص لا تشوبه شائبة، فها هي هنا بلباس محلي تقليدي مثير، تضع الحناء على يديها
والكحل في عينيها البنيتين وتضع فوق رأسها "سبلية" مزركشة بألوان الطيف
، في عينيها وميض نور غريب، وعلى بشرتها السمراء الناعمة واللامعة ارتسم نور القمر
مطفيا على بشرتها جاذبية وبهجة لا تقاوم؛ كأنها الياقوت والمرجان.
وحيث أن الأحاسيس كائنات غير ثابتة ذات مد وجزر، تتأجج في لحظات محددة وتهدأ
في لحظات أخرى وكأنها لم تكن موجودة قبلا، فقد هدأ حبهما وخفت وميضه في فترة ما من
الزمن، بل أعلن استسلامه ورضوخه لموجة غضب متأججة بينهما (...)، وهكذا تم اغتيال الحب
في لحظات زمنية غير عادية فذفنا معه كل الذكريات الجميلة التي جمعتهما، فلا هو راضخ
لمطالب أنثى مشحونة بأفكار "الثوار" السخيفة ولا هي راضخة لمطالب ذكر
رأسه المتزمت أقسى من الفولاذ والحجر. فكان صراع الأحاسيس داخل حلبة رأسيهما محتدما
يؤطرهما قلبان وعقلان، فأما القلبين فيميلان إلى كل ما هو جميل؛ حب، صبر، تسامح، تنازل،
ورغبة في العناق.
في حين
بقي العقلان اللذين تربيا في ثقافة صحراوية مقفرة منتصرا لقيم؛ الصرامة، القوة، الشهامة،
والكبرياء وأكثر من ذلك "للتعنت" وكلها طباع صحرواية، استوحاها الإنسان من
عبق هذا المجال اللعين.
وفي ظل هذا المناخ الصحراوي الشحيح الذي أرخى بظلاله على علاقتهما المشحونة
؛ تلقى القلبان معا هزيمة قاسية انتهى بهما الحال إلى فقدان كل ما هو جميل، من ذكريات،
حب، صداقة. ومات كل امل في أن يكونا معا إلى الأبد كما قد خططا لذلك سلفا.
كان على أريكته هاته يربط كل هذه الذكريات مع بعضها البعض قبل أن يقرر كتابتها
وتدوينها على شكل خواطر ليهديها إلى سمرائه السابقة في عيد ميلادها القادم، فيعيد لملمة
جراح الماضي ويعيد الاعتبار لقلبه الحزين الذي أعيته أعذار العقل السخيفة.
لا يزال الآن يكتب... بأسلوبه الصارم المشفر، وبحبه الذي ينفلت من حين لحين
من بين أكوام كلمات قسوته وصرامته الجنونية. كله أمل أن يتوقف الزمن برهة في
انتظار أن يكمل رسالته الطويلة لمحبوبته السمراءـ ليشرح لها كل التفاصيل الدقيقة التي
لا يستطيع الواحيون في العادة الجهر بها مباشرة. لأن الواحة الصحراوية التي تربى عليها
هؤلاء البشر ليست هي المكسيك بالمناسبة وليست هي أرض الحرية؛ أرض العام سام...
تعليقات
إرسال تعليق