التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سلسلة خواطر وتأملات - محنة سقراط


أهي لعنة.. أم سر ما خبأه لك القدر يا سقراط ؟ أم هل في الأمر حكمة بالغة أم سوء طالع لا ينفك يثير في ذهنك زوبعة الخوف كلما دنا موعد امتحان عسير ؟ أيستوجب وضعك الايمان بالحياة أم بشرب كأس سم حتى الموت على غرار تجربة سقراط الأب ؟ أي لعنة حلت بك وأنت أكثر الناس حرصا على تحقيق بداية جديدة في سرداب الحياة، قبل أن تنسف النتائج كل أعشابك التي أردت أن تصنع بها حديقة غناء مورقة؛ ملؤها الحب والحنان وإعانة الأهل والأحباب وإسعاد المدينة الفاضلة؟
قلب منكسر، وعينان براقتان تشع من نورهما مشاعر الاحساس الكئيب، وكأنهما تنقلان إليّ نفس الاجابات المتكررة في السابق : " لقد فشلت مجددا "..
لم أكن أشك مطلقا في قدراته ومواهبه الرفيعة في تحقيق نجاح منقطع النظير في حقل التعليم،  لكن شيئا ما ما انفك يلاحقه باستمرار، حتى وقد حصّل من الشواهد الأكاديمية ما يجعله مؤهلا بما فيه الكفاية للمهنة الجديدة، لقد صدمه الواقع مرة أخرى وكانت الصدمة هذه المرة مؤلمة للغاية.
 لم يكتب لمحنة سقراط أن تعلن نهايتها الدرامية في سلسلة البحث عن لقمة عيش، فعندما اقتربت منه لمواساته في مصابه، أدركت أنه تألم بحرقة على ما ضاع، وما ابتسامته المصطنعة إلا محاولة للتنكيب عن مرارة الاحساس باليأس من حلم مهضوم، أدركت أن التحفيز ممزوجا ببعض الفكاهة أمر ضروري للتخفيف من وطأة مصابه حينذاك، ولم يكن أي شك يعتريني في قدرته مستقبلا على تجاوز وضعه الحزين خصوصا وأنه تعرض لانتكاسات جمة في الماضي. لكنها لم تزده إلا عزيمة وإصرارا على متابعة المسير في السرداب الذي اختار المضي فيه حتى النهاية.
لا أرى الآن أي داع للدخول في غوغاء الأفكار المثبطة، فوضعك المتشرذم يحتاج بالفعل إلى تبني ثقافة وفلسفة القوة؛ أقصد تلك القوة الفكرية التي ستزرع في قلبك حبات من شعاع الأمل، والسير في الحياة بطاقة متجددة مفعمة بالحيوية، غير متوجسة من استمرار حصد الفشل.
يجب عليك يا سقراط أن تؤمن أكثر بالمستقبل وأن تغير تلك النظرة المثالية للأمور بما فيها طريقة نظرك إلى لقمة العيش،ـ يجب أن ترفض الهزيمة، وتنفض الغبار عن رأسك وتفكر في أسباب الفشل الذاتية  قبل الموضوعية، كي لا تجعل نفسك بريئا من كل مشروع فاشل، يجب عليك يا سقراط ألا  تشرب كأس السم كما فعل جدك الأكبر، بل لا بد لك من مجابهة النظام ككل بشرب كأس الحياة من جديد.

إياك أن تنحني أمام الرياح فقد تنكسر شوكتك وقد لا تغدوا قادرا على رفع شعار التحدي من جديد، كن كالنملة مصرارا على بلوغ الهدف، ولا تجعل أحدا يرى بريق عينيك تزفان الضعف والاحباط، إجعل نور قلبك وضاحا وانتهج سبيل من لا يعرف طريق التواري والتراجع عن الرسالة النبيلة التي تسعى لتحقيقها في الحياة. وكن موقنا بان الواقع يخبئ أشياء لا تدور للحسبان ليس لك وحدك فقط، بل لكل إنسان، حتى لأولئك الذين يعتقدون في قرارة نفوسهم بأن حالهم أفضل بكثير من حالك التعيس، لا نعرف أي تقلبات يحملها لهم الواقع، فكن مؤمنا بالله فهو حسبك وإياك أن تضيع إيمانك بالقدر، فالحياة عجلة تدور يوم لك ويوم عليك والحبل على الجرار..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل

أهم نظريات التنشئة الاجتماعية

النظرية البنائية الوظيفية : ويمكن القول بأنها نظرية تستمد أسسها من النظرية الجشطالتية في علم النفس و التي تدور فكرتها المحورية حول تكامل الأجزاء في كلّ واحد، بتحليل العلاقة بين الأجزاء و الكل، بمعنى أن كل عنصر في المجموعة يساهم في تطور الكل. فأصحاب هذه النظرية يرون في الأفراد و الجماعات أو أي نظام أو نسق اجتماعي يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، و بالتالي فان كل جزء من أجزاء النسق يكون وظيفيا، تماما كجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء ولكل جزء وظيفته [1] . و تشير النظرية البنائية الوظيفية؛ إلى أن كل أسرة نسق فرعي للنسق الاجتماعي، تتفاعل عناصره للمحافظة على البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه. وتركز هذه النظرية على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة و الوحدات الاجتماعية الكبرى، من خلال الدور الذي تؤديه في عملية التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد في المجتمع . نظرية التحليل النفسي: ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الجهاز النفسي للفرد يتكون من الهو والأنا والأنا الأعلى [2] . ويمثل الهو الجانب اللاشعوري من شخصية الفرد، وبالتالي فهو يميل إلى تحقيق غرائزه الفطرية؛ من مأكل ومشرب وجنس...الخ. ل