أهي لعنة.. أم سر ما خبأه
لك القدر يا سقراط ؟ أم هل في الأمر حكمة بالغة أم سوء طالع لا ينفك يثير في ذهنك زوبعة
الخوف كلما دنا موعد امتحان عسير ؟ أيستوجب وضعك الايمان بالحياة أم بشرب كأس سم حتى
الموت على غرار تجربة سقراط الأب ؟ أي لعنة حلت بك وأنت أكثر الناس حرصا على تحقيق
بداية جديدة في سرداب الحياة، قبل أن تنسف النتائج كل أعشابك التي أردت أن تصنع بها
حديقة غناء مورقة؛ ملؤها الحب والحنان وإعانة الأهل والأحباب وإسعاد المدينة الفاضلة؟
قلب منكسر، وعينان براقتان
تشع من نورهما مشاعر الاحساس الكئيب، وكأنهما تنقلان إليّ نفس الاجابات المتكررة في
السابق : " لقد فشلت مجددا "..
لم أكن أشك مطلقا في قدراته
ومواهبه الرفيعة في تحقيق نجاح منقطع النظير في حقل التعليم، لكن شيئا ما ما
انفك يلاحقه باستمرار، حتى وقد حصّل من الشواهد الأكاديمية ما يجعله مؤهلا بما فيه
الكفاية للمهنة الجديدة، لقد صدمه الواقع مرة أخرى وكانت الصدمة هذه المرة مؤلمة للغاية.
لم يكتب لمحنة سقراط أن تعلن نهايتها الدرامية
في سلسلة البحث عن لقمة عيش، فعندما اقتربت منه لمواساته في مصابه، أدركت أنه تألم
بحرقة على ما ضاع، وما ابتسامته المصطنعة إلا محاولة للتنكيب عن مرارة الاحساس باليأس
من حلم مهضوم، أدركت أن التحفيز ممزوجا ببعض الفكاهة أمر ضروري للتخفيف من وطأة مصابه
حينذاك، ولم يكن أي شك يعتريني في قدرته مستقبلا على تجاوز وضعه الحزين خصوصا وأنه
تعرض لانتكاسات جمة في الماضي. لكنها لم تزده إلا عزيمة وإصرارا على متابعة المسير
في السرداب الذي اختار المضي فيه حتى النهاية.
لا أرى الآن أي داع للدخول
في غوغاء الأفكار المثبطة، فوضعك المتشرذم يحتاج بالفعل إلى تبني ثقافة وفلسفة القوة؛
أقصد تلك القوة الفكرية التي ستزرع في قلبك حبات من شعاع الأمل، والسير في الحياة بطاقة
متجددة مفعمة بالحيوية، غير متوجسة من استمرار حصد الفشل.
يجب عليك يا سقراط أن
تؤمن أكثر بالمستقبل وأن تغير تلك النظرة المثالية للأمور بما فيها طريقة نظرك إلى
لقمة العيش،ـ يجب أن ترفض الهزيمة، وتنفض الغبار عن رأسك وتفكر في أسباب الفشل الذاتية
قبل الموضوعية، كي لا تجعل نفسك بريئا من كل مشروع فاشل، يجب عليك يا سقراط ألا
تشرب كأس السم كما فعل جدك الأكبر، بل لا بد لك من مجابهة النظام ككل بشرب كأس
الحياة من جديد.
إياك أن تنحني أمام الرياح
فقد تنكسر شوكتك وقد لا تغدوا قادرا على رفع شعار التحدي من جديد، كن كالنملة مصرارا
على بلوغ الهدف، ولا تجعل أحدا يرى بريق عينيك تزفان الضعف والاحباط، إجعل نور قلبك
وضاحا وانتهج سبيل من لا يعرف طريق التواري والتراجع عن الرسالة النبيلة التي تسعى
لتحقيقها في الحياة. وكن موقنا بان الواقع يخبئ أشياء لا تدور للحسبان ليس لك وحدك
فقط، بل لكل إنسان، حتى لأولئك الذين يعتقدون في قرارة نفوسهم بأن حالهم أفضل بكثير
من حالك التعيس، لا نعرف أي تقلبات يحملها لهم الواقع، فكن مؤمنا بالله فهو حسبك وإياك
أن تضيع إيمانك بالقدر، فالحياة عجلة تدور يوم لك ويوم عليك والحبل على الجرار..
تعليقات
إرسال تعليق