حاولت في هذا الموضوع استخلاص أهم القيم المتضمنة في أسطورة تلغنجا وحصرتها في أربع رئيسية هي:
§
قيم الحياة
§
قيم التضحية
§
قيم التضامن
§
قيم الحب
وقبل الغوص في تحليل مظاهر وتجليات هذه القيم، اسمحوا لي
أن أعرض لكم جوهر ومادة أسطورة "تلغنجا" عند الأمازيغ. فماذا تقول
الأسطورة يا ترى ؟
في قديم الزمان، كان هناك ملك يدعى أنزار أي ملك المطر،
وكان يتحكم في الأرض والسماء، فأراد أن يتزوج فبدأ يبحث في كل مكان في الأرض
والسماء، إلى أن وجد فتاة جميلة لدى فلاح عجوز كانت تستحم وسط نهر قرب شلال يتدفق
منه ماء زلال، فجاء "أنزار" في زي الملوك وحاول التقرب من الفتاة بيد
أنها أحست بخوف وتوجس كبير ففرت هاربة إلى كوخها الصغير، توالت الأيام والأحداث
وكلما حاول الملك الولهان بحب "تيسليت" التقرب منها ومفاتحتها في
الموضوع إلا وابتعدت منه هاربة، مما أثار غضب الملك فجعل بغضبه النهر يجف من الماء،
فرحل تاركا الحياة مهددة على أديم الأرض، ولما أحست "تيسليت" بفداحة
الأمر وصعوبة الموقف خصوصا بعد أن رمقت بعينيها الحزينيتن الجفاف ينخر الأرض
العشيب، ويستحوذ على الشلال والنهر الذي لطالما منح الحياة للمجال؛ أطلقت صيحة
قوية وناشدت "أنزار" قائلة:
أنزار أينزار
أيكليد نومان
رارد تودرت إواسيف
تسيت إينا تريت
التعريب:
التعريب
أنزار يا أنـــزار
يا ملك الماء
يا ملك الماء
أترجاك أن تعيد الحياة الى الأرض
أعدها وتعالى فلك ما شئت
فجأة ظهر ملك السماء "أنزار" فأطلق صرخة الفرح
"رعدة" وانطلق بسرعة "البرق" نحو الأرض، فضم إليه
"تيسليت " ضما، فتهاطلت الأمطار وعادت الحياة الى النهر فالأرض الجديب.
وهكذا فكلما حل الجفاف إلا واستحضر الناس هذه الأسطورة
المبنية على قصة حب وارتباط بين السماء "أنزار" والأرض
"تيسليت"، فيسارعون للقيام بمجموعة من الطقوس استجداء السماء لتجود على
الأرض ببعض المطر "الغيث"، ومن ثمة تزين فتاة عذراء جميلة فتؤخذ في موكب
أنيق صوب أقرب نهر أو عين ماء أو ساقية فتخلع ملابسها وتقوم بمجموعة من الطقوس، غير
أنه مع التحولات والتغيرات التي طرأت في البناء الثقافي الأمازيغي، خصوصا بعد دخول
الاسلام، أصبح تقديم الفتاة الحقيقية أمرا صعبا لا يتقبله المنطق، فتمت استعارة
الدمية لتفي بالغرض.
قيمة الحياة:
تحتل قيمة الحياة أهمية قصوى في أسطورة تلغنجا، بل إن بنية الأسطورة تتمحور حول
هذه القيمة التي تعتبر غاية الغايات، فالإنسان يأكل ويعمل ويجد من اجل الحياة، من
قلب هذه القيمة انبثقت قيم أخرى من أهمها قيمة التضحية.
قيمة التضحية: رغم أن "تيسليت" في البداية كانت خائفة من الملك
"أنزار" إلا انها اختارت الاقتران به، فبعدما تعلق الأمر بتهديد
استمرارية الحياة بعد الجفاف الذي ألحقه غضب الملك، فقد اختارت "تيسليت"
أن تقترن به في سبيل إعادة الحياة إلى الأرض من هنا تتجلى قيمة التضحية في أسطورة
تلغنجا.
قيمة التضامن: من تجليات ومظاهر التضامن تلكم الطقوس التي تقام كلما
حاق الجفاف بالأرض، فإعداد موكب الاستمطار وما يرافقه من عطايا وهبات كلها تعكس
تضامن الناس استجداء لملك المطر "الغاضب" ليجود على الأرض.
قيمة الحب: لقد أحب "أنزار" "تسليت" بجنون، ولم
يستطع تحمل ابتعادها و"عصيانها" أوامره فابتعد وخلف وراءه الجفاف، من
هنا يتضح مدى الحب الذي يكنه أنزار لتيسليت أو السماء للأرض، غير أن هذا الحب مبني
على أساس التبعية والطاعة وعلى نوع من الاكراه والاخضاع، إنه حب أناني سرعان ما
سينتهي بحرمان الأرض من الماء كلما أغضبت الأرض السماء، وعادة ما يقرن "المخيال
الثقافي" تأخر المطر بسلوكيات مسفة ومبتذلة لبعض البشر.. !؟
خلاصة القول فقيمة الحياة هي قطب رحى أسطورة "تلغنجا" وكل القيم
الثانوية المستخلصة منها إنما تدور في كنفها.
تعليقات
إرسال تعليق