كنت أنتظر الوقت المناسب متربصا لأكتب عن
المرأة المغربية مقالا ما، على أساس توفير نافذة خصبة لكل ما يرتبط بهذا الكائن
الحي- الميت الذي نسميه امرأة، وها أندا أخيرا قررت فعل ذلك بمناسبة اليوم العالمي
للمرأة.
لقد
قيل عن المرأة الكثير في ثقافتنا الشعبية المغربية، وصورتها في تراثنا متدبدبة متقلبة؛
فهي شريرة بعيون من تعرضوا لشرها، وهي بطلة في عيون من استفادوا من بطولاتها، وهي
شوافة في عيون ضحاياها، وهي ماكرة في عيون من قاسوا آلام مقالبها ودهائها الشيطاني
الإبليسي. فالمجتمع الذكوري سمح لنفسه برسم صور عديدة لنفس الكائن؛ الذي قادته حركات
التحرير الوهمي من سجن الثقافة إلى جحيم العولمة.
إن
الاحتفال باليوم العالمي للمرأة يجب أن يوازيه دائما طرح السؤال عن وضعها الحقيقي،
ولا يمكن قياس جواب لهذا السؤال الدامغ بقياس ما حققته الحركة النسائية في الحقل
السياسي والوظيفي والاجتماعي؛ فهذه معايير واهية مقارنة مع قياس ما تحقق للمرأة
على المستوى القيمي الثقافي والسيكولوجي وهذا هو الأساس.
دعونا
نطرح السؤال بصياغة أخرى تبدو أكثر واقعية وأكثر موضعة لموضوع المرأة تشخيصا وفهما
في ثقافتنا المغربية؛ هل المرأة التي حققت تقدما اجتماعيا وسياسيا حققت أيضا تقدما
ثقافيا وسيكولوجيا ؟
من
الصعب الإجابة عن هذا السؤال، غير أن هناك إواليات تكشف النقاب عن وضع المرأة
النفسي، فهي تعيش على كف عفريت والمخيال الشعبي لا يزال يعتبرها كائنا هامشيا يجب
أن يبقى في الهامش، قد يكون الوضع الاقتصادي لبعض النساء قد غير مكانتهن وقلب
وضعهن، غير أن الثقافة الشعبية المغربية لا تزال ذكورية توجها وتصرفا وقيادة. وعلى
الرغم من التشدق بالامتياز الذي تحقق لها إلا أن صورة المرأة هي صورة العبد الجديد
في النظام العالمي الجديد، الذي يجسد الديكور ويشخصه في الاشهار السمعي البصري والاجتماعي،
ويستعمل كجسد في تشهير المنتوجات من جهة، وهي في نفس الوقت الضحية الأولى لهذا
المنتوج، وأنا إذ قلت في البداية بأن المرأة قد انتقلت من سجن الثقافة إلى جحيم
العولمة، فلأنني أنطلق من قناعة بنيتها عبر ملاحظاتي وتفاعلاتي الاجتماعية، وقطب
رحاها أن المرأة أسيرة المجتمع الجديد الذي حدد لها وجبات الأكل، وحدد لها طرائق
المشي والتصرف والتحدث واكل الشوكولاته، وقلما تجد امرأة تعيش حرة مستقلة.
إن
المرأة هي العبد الجديد للنظام العالمي الجديد، وهي نموذج للإنسان المقهور داخل
نسق الشركات العابرة للحدود التي تقيس الحياة بمقاييسها وتحدد للناس نموذجهم
بمقاييسها، وكانت المرأة في مجتمعنا أكثر ضحايا هذا المستجد الثقافي الإعلامي، فقد
تحولت إلى آلة حية تحركها أجهزة الإعلام كما تشاء، فتقلبها ذات اليمين وذات الشمال
وإن كان العالم سيحتفل باليوم العالمي للمرأة فعليهم أن يسلطوا الضوء على الجرائم
التي تمارس رمزيا ضد هذا الكائن المضطهد - الميت الذي اعتبره المتشدقون بخطاب
الحداثة وما بعد الحداثة كائنا حيا مفعما بالهناء والسعادة..
إن وضع المرأة لا يجب أن يقاس بما تحقق لها
اجتماعيا ووظيفيا، بل لابد من قياس ما حققته على المستوى السيكولوجي والثقافي،
فمنظومة القيم السائدة في المجتمع لا تزال تبخس بطريقة أو بأخرى "المرأة"
والمخيال الشعبي المغربي لا يزال أسير النظرة الدونية لهذا الكائن الحي، ولا شك أن
مسألة الزواج، واختيار واستمرارية حرية الذكور في الاختيار لخير مثال على
استمرارية التبعية والهيمنة...
تعليقات
إرسال تعليق