إن الطموحات الفردية المعزولة والمنطوية على ذاتها، تندرج فيما يمكن تسميته بالأنانية الاجتماعية ؛ وهي نزوع البعض في سياق مجتمعهم إلى محاولة التدرج الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي أو السياسي ...الخ، وذلك على حساب الآخر المعمم ، أو محاولة تشهير الذات على ظهور الذوات الأخرى على الرغم من فاعليتها الاجتماعية وبروزها في الفعل الاجتماعي المفضي إلى نجاح فرد أو بضعة أفراد.
ولعل التسلق الفردي من أجل الترقي الاجتماعي، ومحاولة البروز الأناني من أجل الشهرة واحتكار النجاح الجمعي لمصلحة الفردي؛ يمثل سما زعافا أضنى بروز فاعلين اجتماعيين و سياسيين و اقتصاديين..كانوا في العمق يعملون في الخفاء أو في مناطق الظل؛ مما أدى إلى عزلهم وتهميشهم إعلاميا أو غيبوا في الوثائق التاريخية منذ الأزمنة السحيقة .
إن الأعمال الفردية لا معنى لها إذا لم تقنن وتنظم في إطار مؤسساتي –قانوني يضمن لها الانعتاق بالفكر والفعل العموميين، في إطار يضمن تلاقح الأفكار وتناسلها، على نحو يسمح بإفراز نسيج متماسك من الأهداف ذات اللمسة الجماعية والتي تخدم المصلحة العمومية، وليس فقط خدمة مصلحة ثلة من الناس أو عرق من الأعراق أو طائفة من الطوائف أو توجه من التوجهات ..على حساب الأخريات.
إن الأهداف كائنات تولد وتتطور وتموت؛ تحت تأثيرات قد تكون نابعة من الصميم أو تحت تأثير قوى خارجية ، ترى فيها خطرا مهددا وجب دحره ، وهذه الفكرة البديهية في حد ذاتها وجب أن تشق كل ذات فاعلة، أو تبغي الفعالية في سياقها الاجتماعي أو السياسي ، كما أن لكل فكرة أصلها ومنبعها ومن الضروري في أي تنظير أو تعبير أو قراءة؛ أن يشار لمصادر الأفكار و أساسها ومنبعها للأمانة العلمية و الأخلاقية و الإنسانية، فكم من عتيد راح ضحية التنكيب و الإغفال الأناني ، وكم من صاحب فكر ونظر قرصن أو سرق فكره ووجهات نظره ليتبناها شخص آخر ويزدهر بفضلها دون أن يستفيد الأصيل منها ، وهذا نموذج صريح من نماذج الإسفاف و الابتذال الذي ترسخ في نفوس عدد كبير من جهلاء الناس وذوي القلوب الحقودة المغيارة.
إن الرهان الانساني الذي تنشده الذوات السامية؛ الحاملة لطاقة وإرادة غلابة لتغيير واقعها ومجتمعها؛ هو أن تنشد النجاح وتضع نصب عينيها المصلحة العمومية فوق كل اعتبار ذاتي وشخصي، لكن دون إسفاف و إجرام في حق الجهد الفعلي و السلوكي، إذ لا بد من تذكير الناس بالعمل و الجهد الفردي بطريقة تضمن السلامة من الأوصام التي بإمكانها أن تثبط العزائم وتغرق النفس في التأملات المنزلقة عن كنه الأهداف المسطرة ، وتعيق بالتالي الطموح وتفل استقلالية الذات وتشل حركيتها.
إن أي خطوة استراتيجية لمشروع من المشاريع الشبابية يجب أن يوازيها عمل قاعدي جبار ذو لمسة محنكة وخبيرة تضع نصب عينيها العقبات و التحديات المنتظرة و الاستعداد الوجداني الموضوعي لدحرها وتجاوزها ، ولعل التدرج في البناء يعد في العمق خطرا قد يقوض أسس مشروع ولذ للتو ، تعد بالتالي المعرفة بالخبايا و المنتظرات الحياتية وتقلباتها و الإيمان الصريح و النزيه بتغير أهداف أي تنظيم من التنظيمات موازاة بتغير الشروط الموضوعية الديناميكية التي تؤثر فيها أهم فكرة يجب أن تترسخ في ذهنية شباب الانعتاق ، بيد أن تغير الأهداف في حد ذاته تخضع لدمقرطة تشاركية، وعمق نظر استراتيجي يخدم مصلحة العامة لا مصلحة الفاعل الاستراتيجي وحده.
إن كل تخطيط وطموح شخصي في قلب وقالب عمومي ممأسس داخل تنظيم مدني أو سياسي أو ما شابه ، يجب أن يشق طريقه بإرادة نقية ونزيهة وبريئة وبعمل وفعل حقيقيين يوازي دفتر التحملات الزمكانية ؛ وقد يخترقها أحيانا بفعل التضحيات الجسام لبعض الفاعلين أو جميعهم في سبيل إنجاح مخططاتهم النزيهة .
إن القرارات وبناء وثائق المتطلبات (الملف المطلبي) لا تبنى في أماكن منعزلة مبتورة عن سياقها و إنما لابد من إشراك كافة الفاعلين و الإنصات إلى هموم ومتطلعات شباب الانعتاق و العلماء و المثقفين المستشارين في هذا الصدد، ومن الضروري تكييف هذا وذاك من أجل الحفاظ على سلامة و أمن مولود مشروع إسمه الانعتاق .
تعليقات
إرسال تعليق