التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قصة موقف حزين


أيام حارة بمكناس الزيتون ، استحالت فيه الوجوه البيضاء الى السمرة ، و السمراء الى الدكون ...ليس هذا هو المهم ؛ فالمظهر لا يستجلي الجوهر ، و الجوهر لن ينعكس من خلال المظهر ...

المهم إخوتي في هذا الأمر و في هذه الحكاية ؛ هو ذلك الطفل الذي التقيته ذات يوم، و على حين غرة، خلال عودتي من الجامعة الإسماعيلية بمكناس ..ذلك الطفل الصغير – الكبير الذي كان يعمل في كراج جباص فقير ..و الذي كان يبحث دؤوبا بين الوجوه.. عمن يبش و يبتسم في وجهه..و يرأف لحاله ،لكن لا أحد ينظر في و جهه ، و لا أحد يرأف لحاله ...
وبما أنني قروي ، و االقروي كما تعرفون دائم النظر الى الناس ..فقد اهتاجني و أثار انتباهي إحساس .....حينما طلبت منه أن يمدني بكأس ماء أروي به ظمئي، و أهدئ به عطشي ..فالتقطت أذني صوته الخافت - الباهت وهو يقول لي و باحترام و اقتدار شديد " تفضل يا أخي " ..
كان صوته يرسم خيوط الأمل ، لكن عينيه تخفيان الألم ... لقد ألهمتني عيناه أن قصة ما وحكاية ...وراء هذه البراءة ؛ في التعامل، و الرقة في التكلم و الاشتغال و التعلم ..

سألته بفضولي عن أحواله قائلا " قل لي يا أخي : هل تزاوج بين الدراسة و العمل أم ماذا ؟ "...لكنه رد علي بالنفي ؛ و أضاف قائلا " أنا أعمل في هذا "الكراج" لأتعلم هذه الحرفة . " قالها بنبرة تحمل في فحواها الكثير من الأمل و الإرادة ، و الرغبة الجامحة في التعلم ؛ فالطفل قد انفصل عن الدراسة و الغصة في نفسه، لا لشيء الا ليقوم بدوره كرجل معين لعائلته ، و ليس كطفل شأنه أن يلهو و يلعب و يتنزه في الملاهي و الأسواق ، و يأكل الطعام و يتيه في شوارع المدينة ؛ بحثا عن إثارة الفوضى و المشاكل ....ما أعجبني في هذا الطفل أكثر يا سادة : هو تفانيه في العمل رغم صغر حجمه و قصر قامته و هزالة عضلاته ..لكن رغم كل ذلك فأمله في التعلم أكبر ؛ فهو متفائل و مجتهد في أداء و اجباته على أحسن صورة و على أكمل وجه ..

و بما أني كنت فضوليا أكثر ..فقد سألته سؤالا ندمت كثيرا على طرحه .."" ماذا يشتغل والدك ؟؟ ""..أجابني بعد ان جرحت مشاعره ، و أعدت ذاكرته إلى ذلك الزمن الخالي .. فقال لي و بعبارة حزن شديدة – شديدة للغاية "" والدي مات..وفارق الحياة ..""" قالها بنبرة مضطربة و مهزوزة ، وبشخصية أخرى تبدو حزينة – حزينة للغاية....فطأطأ رأسه الذي كان في البدء شامخا ، و تلألأت عيناه بالدموع بعدما كانتا مليئتين بالأمل .. و أرخى يديه اللتان كانتا مشدودتين بالعزيمة و القوة و الثقة و الجاه..فدب الى فؤاده شؤبوب من الحزن و الكآبة ....كل هذا حدث بسبي أنا - بسبب فضولي ...
لا يمكنكم أن تتصوروا شعوري و أنا أجرح طفلا بريئا هو ضحية التهميش و اللامبالاة ..هو في آخر المطاف ضحية هذا الزمان الذي لا يرحم ..
نعم - لقد جرحت طفلا كان متفائلا ..كان متناسيا لذلك الزمن الخالي ..الذي غادره والده فيه دون وداع ..لقد جرحت طفلا ، هو في الآن ذاته رجل العائلة الأول و معينها ...فقد انقطع عن الدراسة و الغصة في نفسه ، ليأوي والدته و يحمي إخوته من شبح التسول و التهميش الذي طال فئات عديدة من فئات شعب القرن الواحد و العشرين .... تلكم إذا حكاية حدث صغير و عابر، لكنه ألهم إلي الكثير من الحزن و الكآبة و التأمل في هذا الواقع المهزوز و القاسي و المضطرب ..فأين أنت يا جمعيات المجتمع المدني الحقوقية ؟؟ ؛ ما محلك من الإعراب هل أنت فاعل أم مفعول به ؟؟ ام تحولت بفعل تغير الأهداف و تبدلها الى خبر كان ...!!! ما الهدف من انشاء مراكز التكوين و الإيواء ؟؟ ما الهدف من قيام الدولة و الأحزاب السياسية ..؟؟؟ ما قيمة كل ذلك ما دامت هناك طبقة عريضة من الشعب تعاني....؟؟؟ ما قيمة ذلك ما دام أطفالنا محرمون من حق اللعب و اللهو و الدراسة و التعلم و الادماج ؟؟ ما قيمة ذلك ما دامت قرانا لم يتم تزويدها بالماء و الكهرباء ؟؟؟ ما قيمة ذلك ؟؟!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل ...

سلسلة الأعمال الأكاديمية - قراءة في أعمال عبد الرحمان المالكي - مكناس

saidi.samir89@gmail.com مقدمة نظمت جامعة المولى إسماعيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية يومه 16 ماي 2016 ندوة فكرية حاضر فيها أساتذة وأكاديميون احتفاء بأحد أعلام السوسيولوجيا المغربية في الوقت الحالي، ويتعلق الأمر بالأستاذ عبد الرحمان المالكي صاحب كتاب "الثقافة والمجال دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب. ويعتبر الكتاب على حد تعبير جل المحاضرين نموذجا يحتدى به منهجيا للباحثين في مجال السوسيولوجيا عامة وسوسيولوجيا الهجرة بصفة خاصة، بالنظر لغنى الترسانة المنهجية المعتمدة فيه، وللحذر الإبيستمولوجي الكبير الذي أبداه ويبديه الرجل في كل أبحاثه بما في ذلك كتابه الأخير، الشيء الذي جعله متوجسا من نشر دراساته.  لقد كان عبد الرحمان المالكي في ذلك حريصا كل  الحرص على مراجعة بحثه بعناية وبشكل دؤوب، كما كان علاوة على ذلك شديد الحرص على التأني في الكتابة، لأن السوسيولوجيا عنده ما هي إلا تأن وحذر . إن الكتابة السوسيولوجية هي المراجعة المتفحصة للفكرة تلو الفكرة وللمنهج المعتمد في التقصي،  لذلك لازم الحرص والحذر إصدار كتاب "الثقافة والمجال" رغم حاجة المجتمع المغربي ...