أيام حارة بمكناس الزيتون ، استحالت فيه الوجوه البيضاء الى السمرة ، و السمراء الى الدكون ...ليس هذا هو المهم ؛ فالمظهر لا يستجلي الجوهر ، و الجوهر لن ينعكس من خلال المظهر ...
المهم إخوتي في هذا الأمر و في هذه الحكاية ؛ هو ذلك الطفل الذي التقيته ذات يوم، و على حين غرة، خلال عودتي من الجامعة الإسماعيلية بمكناس ..ذلك الطفل الصغير – الكبير الذي كان يعمل في كراج جباص فقير ..و الذي كان يبحث دؤوبا بين الوجوه.. عمن يبش و يبتسم في وجهه..و يرأف لحاله ،لكن لا أحد ينظر في و جهه ، و لا أحد يرأف لحاله ...
وبما أنني قروي ، و االقروي كما تعرفون دائم النظر الى الناس ..فقد اهتاجني و أثار انتباهي إحساس .....حينما طلبت منه أن يمدني بكأس ماء أروي به ظمئي، و أهدئ به عطشي ..فالتقطت أذني صوته الخافت - الباهت وهو يقول لي و باحترام و اقتدار شديد " تفضل يا أخي " ..
كان صوته يرسم خيوط الأمل ، لكن عينيه تخفيان الألم ... لقد ألهمتني عيناه أن قصة ما وحكاية ...وراء هذه البراءة ؛ في التعامل، و الرقة في التكلم و الاشتغال و التعلم ..
و بما أني كنت فضوليا أكثر ..فقد سألته سؤالا ندمت كثيرا على طرحه .."" ماذا يشتغل والدك ؟؟ ""..أجابني بعد ان جرحت مشاعره ، و أعدت ذاكرته إلى ذلك الزمن الخالي .. فقال لي و بعبارة حزن شديدة – شديدة للغاية "" والدي مات..وفارق الحياة ..""" قالها بنبرة مضطربة و مهزوزة ، وبشخصية أخرى تبدو حزينة – حزينة للغاية....فطأطأ رأسه الذي كان في البدء شامخا ، و تلألأت عيناه بالدموع بعدما كانتا مليئتين بالأمل .. و أرخى يديه اللتان كانتا مشدودتين بالعزيمة و القوة و الثقة و الجاه..فدب الى فؤاده شؤبوب من الحزن و الكآبة ....كل هذا حدث بسبي أنا - بسبب فضولي ...
لا يمكنكم أن تتصوروا شعوري و أنا أجرح طفلا بريئا هو ضحية التهميش و اللامبالاة ..هو في آخر المطاف ضحية هذا الزمان الذي لا يرحم ..
نعم - لقد جرحت طفلا كان متفائلا ..كان متناسيا لذلك الزمن الخالي ..الذي غادره والده فيه دون وداع ..لقد جرحت طفلا ، هو في الآن ذاته رجل العائلة الأول و معينها ...فقد انقطع عن الدراسة و الغصة في نفسه ، ليأوي والدته و يحمي إخوته من شبح التسول و التهميش الذي طال فئات عديدة من فئات شعب القرن الواحد و العشرين .... تلكم إذا حكاية حدث صغير و عابر، لكنه ألهم إلي الكثير من الحزن و الكآبة و التأمل في هذا الواقع المهزوز و القاسي و المضطرب ..فأين أنت يا جمعيات المجتمع المدني الحقوقية ؟؟ ؛ ما محلك من الإعراب هل أنت فاعل أم مفعول به ؟؟ ام تحولت بفعل تغير الأهداف و تبدلها الى خبر كان ...!!! ما الهدف من انشاء مراكز التكوين و الإيواء ؟؟ ما الهدف من قيام الدولة و الأحزاب السياسية ..؟؟؟ ما قيمة كل ذلك ما دامت هناك طبقة عريضة من الشعب تعاني....؟؟؟ ما قيمة ذلك ما دام أطفالنا محرمون من حق اللعب و اللهو و الدراسة و التعلم و الادماج ؟؟ ما قيمة ذلك ما دامت قرانا لم يتم تزويدها بالماء و الكهرباء ؟؟؟ ما قيمة ذلك ؟؟!!
تعليقات
إرسال تعليق