saidi.samir89@gmail.com
القصة واقعية
المكان: هو إحدى مدارس الواحة، أما الزمن؛ فهو ماض خلا ولن يعود، لكنه خلف آثارا
سلبية لا يزال "مزمار" يعيشها، يتذكر بقلب متحسر ومهموم تلك السنين العجاف
التي قضاها في المدرسة الابتدائية ، يحكي عن قصته التي بدأت بحب الكتاب وانتهت بكراهية
لا تضاهى للمؤسسة التعلمية ككل، كراهية لها أسبابها الذاتية والموضوعية، لكن التعليم
لم يولي لمثل هذه الحالات أية قيمة في فهم عيوب المنظومة التعليمية في البلاد.
هناك أشياء تحدث للطفل لكن الطفل طفل، وشهادته واهية لا يؤخذ بها، وعندما يعرج
أحدهم لوضع حد لسلسلة التهميش والتنكيب ويسعى بكل ما أوتي من طاقة إلى العمل ومساءلة
طفولة الانسان الراشد، حينها يدرك بجلاء مدى مأساة الانسان الأسود مع التنشئة المدرسية
العنصرية، مأساة لا يعرفها الانسان الأبيض قط لأنه أبيض وهو دائما يلعب دور الجلاد
لا الضحية.
لكن لكل
إنسان اسود قصة مع العنصرية، عاشها في المدرسة وإن لم يكن في المدرسة ففي ساحتها أو
في إحدى ازقة شوارع الواحة. وبقدر ما يزداد حجم سواد وجهك بقدر ما تزداد معاناتك، لأنك
امام مجتمع يحكم عنك من خلال مظهرك، ويرسم بينك وبينه الحدود والحواجز من خلال وضع
التصنيفات؛ بين أبيض "جميل" وأسود "قبيح" ، بين أبيض "ذكي"
وأسود "غبي".
دفع طيش الأطفال مزمارا ليعيش أصعب لحظاته في المدرسة عندما كان عمره 11 ربيعا
حيث تعرض لتعنيف من طرف أستاذ شبهه بحشرة سوداء، وبعدها بقرد قاتم؛ وذلك بعد
قيامه بشغب في القسم، وكان هذا التشبيه كافيا لجعله يحس بمضض الانتماء لفصيلة السود،
كما أعلن عن بداية كراهيته للمدرسة وانقطاعه عنها إلى الأبد.
وما الأستاذ الذي تلفظ بتلك الكلمات السامة والسخيفة إلا معلم ينتمي إثنيا إلى
إحدى الجماعات البيضاء في الواحة ما يجعل فكره عبارة عن نسيج من الأفكار الإحتقارية
للأسود "الخمّاس". كما أن الأستاذ في نفس الوقت إمام لآحد مساجد الواحة،
لنكون بذلك أمام إمام ومربي أجيال عنصري.
كيف لرجل دين عنصري يشغل في نفس الآن منصب أستاذ للتعليم الابتدائي أن يربي
جيلا ؟
الحقيقة أن مثل هؤلاء الجهلة المتخفون خلف عباءة الوعظ والارشاد والعلم لا يمكنهم
إلا أن يدمروا أجيال ويخلقوا ضباعا. ولقد تساءل مزمار عن عدد الذين عذبوا مثله بسبب
عنصرية رجل التعليم الأبيض داخل المدرسة، وكم من أسود لم يجد في فضاء المدرسة ما يجعله
يحس بالأنس ليضطر للمغادرة اتجاه وجهة أخرى. بسبب ذلك تألم مزمار وهو يحكي عن ماضيه
الطفل، الذي عاش فيها كئيبا وحزينا وغير قادر على الدفاع عن نفسه ضد جور وطغيان الأستاذ
العنصري.. وكم تمنى لو أن عجلة الزمن تعود به إلى الوراء ليرد له الدين فيجتث لسان
ذلك الأستاذ السليط من موضعه. لكن الزمن لا يدور أبدا إلى الوراء لكن الأحداث العنصرية
تعاود الظهور من حين لآخر، ليستمر مسلسل التنشئة العنصرية في الواحة بلا رقيب أو حسيب.
تعليقات
إرسال تعليق