التخطي إلى المحتوى الرئيسي

موت الضمير الانساني



لا قيمة للحياة مهما بدت غنية ماديا، بدون علاقات اجتماعية موفقة مع الناس، فالاحترام المتبادل والتآخي والتضامن والحب والصداقة والاحترام والتسامح والكرامة كلها مفاهيم تؤسس لكيان علاقات اجتماعية جيدة، ولا يشرب من كأس الحب الحقيقي إلا من بنى علاقات جيدة مع الناس، فإن صادق صادق بصدق، وإن تآخى تآخى بصدق، وإن أحب أحب بصدق، وإن احترم احترم بصدق.
لا تعرف الحياة الاجتماعية إلا بوجهين، فلا يكفي أن يجمع المرء أموالا كثيرة ليقال عنه "سعيد"، ولا يكفي أن تبني جسدا حديديا ليقال عنك "قوي"، فالحياة بدون رمزياتها الجوهرية ستظل مجرد "ديكور" أجوف لا حياة فيها ولا قلب، فكسب القلوب اغلى من كسب الدولارات في الواقع، غير أن منطق الأداتية التي طبعت إنسان الرأسمالية أحجب بقوة الجشع عن الحقيقة، فكان الانسان الآن يعمل للمادة مستغلا الروح والجوهر، فأضحى الرهان جمع المال في مقابل تشتيت القلوب، لم تعد الثقة كبيرة في الانسان كغاية وكجوهر فقد تخلى عن جوهريته لصالح المادة.
لقد تغيرت القيم تغيرا عجيبا وخطيرا في مجتمعاتنا فماتت الرمزيات موتا مفاجئا بسبب تغير شروط الحياة الموضوعية والذاتية، وأصيب الانسان بجرثومة الالة، فأصبح علمه بالآلة يفوق علمه بالانسان والشخص، أصبحت المادة والمظهر كل شيء بالنسبة له بدل الجوهر والقلب، الذي هو محرك كل قوة ومزحزح كل نهضة.
 إن المتعمق فيما بين الكلمات التي أخطها سيجد أني أكتب بتحسر بالغ وقلم دامع معلنا موت الضمير، وإذا كان التعبير عن موت الضمير قد يحيي الأمل في تغيير واقع حال الإنسان المشدود الى الآلة، فلكون المنطق يحتم إعادة الانسان الى طبيعته ليسمو بلحمه ودمع وعقله وقبل كل ذلك إلى إنسانيته، فتشيئ الجسد وتبضيعه في نفس الآن وشراؤه وبيعه لا يمكن أن يكون إلا انحطاطا مس الانسان كجوهر وكماهية وكغاية، معلنا بذلك عن موت المقولات الفلسفية التي حملتها ثورات الحركة الانسية الممجدة للانسان. يتضح ذلك من انتشار مهول لتجارة الجسد في كل الأصقاع، فأصبح لحم الدجاج والبقر اغلى من لحم بني البشر، والانحطاط إنما هو نتيجة لموت الضمير،،فالحاكم الجشع يحكم ليراكم المادة ويجلب الآلة، والسياسي يسوس المجتمع من أجل المادة، والمناضل يسوس المجتمع بالمشاركة في قتل الضمير، أما المثقف فتارة يكرس وتارة يكتب من أجل المادة هو أيضا لا من أجل الانسان وتحرير الانسان من أزمة اللاضمير الذي هو قابع فيه، فيما رجل "الدين" يحكي الحكايات الجوفاء بغباء فينط ويهتز هنا وهناك ولا يعلم أنه بغبائه يساهم في قتل الضمير الانساني عبر التعصب "للعقيدة" أو المذهب أو الايديولوجيا المؤطرة، لا أحد يخضع الواقع لتفكيك صريح فالكل يعتقد أنه على حق والكل منهمك يصارع الزمن من أجل الحضوة بالآلة التي أضحت معيار لكل حضوة في المجتمع السقيم...قتل هتلر الكثير من الناس،وهذا ما فعله أيضا موسوليني وستالين والقوة السياسية بأمريكا قتلت الكثيرين وهذا ما فعله المسلمون أيضا ذات حقبة، كما الرومان كما اليونان كما اوروبا القرن التاسع عشر والعشرين، كما .. الكل يقتل من أجل الحضوة بالمال،وظهر الفكر في خدمة الترسانة المتوحشة واستهتروا كثيرا من مثالية أفلاطون، مع أنه كان على صواب وجيه، ما احلاك يا أفلاطون يا من رفض القلاقل واشمأز من منطق العالم الواقعي الشرير، كل شيء يتماهى بالعنف والقوة والصراع، وتجدهم يفرحون بالنصر المبين لأنهم قتلوا عدد كبيرا من الخصوم، إنهم البشر "العقلاء" النجباء، الجشع بالمادة  والصراع من أجل الآلة يقود الى التفكير بالألة، وتحول العقل بفعل النمذجة والتطويع الى مجرد سائق في اتجاه الوحشية، فالعقل الذي اخترع القنبلة إنما اخترع الدمار، ومن أبدع في صناعة السيغار غنما ساهم في موت الضمير، والبروتيستانت أسهموا بموت الضمير بسبب قيم الجشع التي وسمت عقيدتهم مع أن كثيرا من القيم خاصتهم تساعد على التطور المادي لكن ماذا عن الأخلاق والعلاقات الاجتماعية؟؟...





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل

أهم نظريات التنشئة الاجتماعية

النظرية البنائية الوظيفية : ويمكن القول بأنها نظرية تستمد أسسها من النظرية الجشطالتية في علم النفس و التي تدور فكرتها المحورية حول تكامل الأجزاء في كلّ واحد، بتحليل العلاقة بين الأجزاء و الكل، بمعنى أن كل عنصر في المجموعة يساهم في تطور الكل. فأصحاب هذه النظرية يرون في الأفراد و الجماعات أو أي نظام أو نسق اجتماعي يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، و بالتالي فان كل جزء من أجزاء النسق يكون وظيفيا، تماما كجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء ولكل جزء وظيفته [1] . و تشير النظرية البنائية الوظيفية؛ إلى أن كل أسرة نسق فرعي للنسق الاجتماعي، تتفاعل عناصره للمحافظة على البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه. وتركز هذه النظرية على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة و الوحدات الاجتماعية الكبرى، من خلال الدور الذي تؤديه في عملية التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد في المجتمع . نظرية التحليل النفسي: ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الجهاز النفسي للفرد يتكون من الهو والأنا والأنا الأعلى [2] . ويمثل الهو الجانب اللاشعوري من شخصية الفرد، وبالتالي فهو يميل إلى تحقيق غرائزه الفطرية؛ من مأكل ومشرب وجنس...الخ. ل