التخطي إلى المحتوى الرئيسي

القيم الجميلة في شعر باهبي


تجذر الإشارة بادئ الأمر إلى ارتباط أشعار باهبي، "بحراطين" واحة فركلة وغريس وتودغى ..، وهذا الشكل التعبيري الغنائي وسيلة تعكس نمط حياة الانسان الواحي عموما و"الحرطاني" على وجه الخصوص، ويصبح هذا الشكل من بين أهم المداخيل اللازم اعتمادها لسبر أغوار الزمن الخالي الذي عاشت في ظله المجموعات الاثنية تحت وطأة العصبية والتخلف الثقافي والاجتماعي، وكما هو معلوم فثقافة المجتمعات الواحية بفركلة لم تعرف الكتابة والتدوين، فهي شفهية تصرفا وتوجها، وقد حكم هذا التوجه فأعلن ضبابية الماضي المحلي الذي أضحى مبهما غير واضح، ولا يجد المتفحص أمامه إلا مجموعة من الانتاجات الأدبية والثقافية ليكشف النقاب قليلا عن صورة الماضي المبهم، ويعتبر باهبي وسيلة خصبة وسانحة لذلك.وفي هذا المقال سأحاول عرض نماذج متنوعة مع شرح مضمونها في إطار مشروع جمع شتات الانتاج الثقافي المحلي وإحيائه، والذي تبنيناه (...) في هذا الصدد، لهدف اجتماعي يروم التعريف بثقافة مهضومة الحقوق غير معروفة للعيان حتى الآن. وسنحاول أن نكتشف هنا نموذجا من القيم التي يزخر بها تراث باهبي كقيم ؛ العفة والحب والتضامن...
العفــة: 
atatfi nluz igila khfosklo ayiida
olino ichthat; afosnio igzul ayiida
التعريب:
يا لحلاوة اللوز فوق الشجر
نفسي تشتهيه ويدي قاصرة عن بلوغه 
المضمون:
 يقصد باللوز وهو لا يزال فوق الشجرة؛ تلك الفتاة العذراء التي لم يطمثها إنس ولا جان، فهي بمثابة جوهرة مرصعة باهضة الثمن الكل يريدها غير أنهم لا يستطيعون بلوغها؛ بسبب عفتها وترفعها، فهي كاللوز فوق الشجر لا تستطيع الأيدي القصيرة، أن تصل إليها بسهولة.
ويشير هذا المقطع إلى قيمة العفاف وأهميته في مخيال الانسان الواحي، فالنموذج المثالي في الزواج يضرب بالمرأة العذراء وهي محور اهتمام الشباب الباحث عن بناء أسرة، ولا أدل على ذلك تشبيهها "باللوز" الذي يحتل في ثقافة الواحات الثلاث أهمية قصوى، خصوصا وأنها نبتة مقدسة مذاقها حلو وتحمل كل قيم الحب والتعاون والتضامن، تهدى في الأعراس والمناسبات السعيدة.
والى جانب العفاف يحتل الجمال أهمية بالغة في المنطقة، فشعراء المنطقة تفننوا في رسم صور الجمال في أشعارهم فصنعوا بالكلمات الجمال المرغوب فيه على نحو ما يلي:
tarbat righ akmsalgh irbbi maydamigan izbyan A
twajbi tnayi ligh ingr l3wari oriyktab awdyan A
التعريب:
اسمحي لي أيتها الفتاة أن أسألك من وضع لك هذه الخلاخل الجميلة
أجابتني قائلة أنا في مفترق الطرق ولم يكتب لي أحد حتى الآن
المضمون:
يسائل الشاعر فتاة جميلة ويستفسرها عن سر كل ذلك الجمال، وفي كنه سؤاله يحاول أن يكشف فيما إذا كانت الفتاة مخطوبة لأحدهم أم لا، غير أنها أجابته بالقول بأنها بين جبلين، وبدون راع حتى اللحظة ، فهي لا تزال تنتظر فارس أحلامها...
إن الجمال في أي بلد محمود ومرغوب فيه، غير ان لكل ثقافة معايير معينة تضعها للجمال، فمعايير الجسد الجميل في الثقافة الحسانية هو الجسد السمين، أما الرقيق فمنبوذ ومرفوض كما يقول المثل " النويكض مينسمع كلامها " بمعنى أن الرقيقة لا يسمع كلامها. وفي الثقافة المحلية بالواحات "تدغى، غريس، تنجداد " توضع، معايير أخرى للجمال، ترتبط أساسا بملامح الوجه ( أنف وفم صغيرين وعيون كبيرة ..) أما الجسد فيحبذ أن يكون معتدلا لا رقيقا ولا سمينا، هذا الى جانب الجمال الروحي الذي لا يستثنى الى جانب كل هذا وذاك.
قيم الحب: 
ayiih aydani-yawa
igjm3n siin imran otin aghjdim aydani-yawa
wayiih aydani-yawa
arakrzan luz amrufin orsar-tghli tafoyt zik aydani-yawa
التعريب:
أييه أيدانياوا (هي لازمة كلامية تحدد تفعيلة شعر باهبي)
عندما يلتقي عاشقين ويجلسان مع بعض "أيدا نياوا"
 أييه أيدانياوا
يهرسان اللوز ويتمنيان لو يطول النهار ولا تغرب الشمس أبدا " أيدانياوا"
المضمون:
ما أفضل أجواء إلتقاء العاشقين وهما جالسان رأس برأس في جو رومانسي أنيق يتبادلان معاني العشق والحب، ويشتركان في فعل رمزي في الثقافة الشعبية الأمازيغية، ألا وهو كسر اللوز، بمعنى التناجي بالغزل والكلام المعسول ، فيتمنيان لروعة الأجواء التي يقضيانها معا لو أن شمس النهار تطول أكثر، على اعتبار أن غروب الشمس سيكون مؤذنا بانتهاء اللقاء، خصوصا وأن الثقافة قيدت لقاء الحبيبين بعد غروب الشمس..
قيم التضامن:
 wa yiih aydani-yawa
ofighd afla7 iwta tamazirt simasl aydani-yawa
asighd amgr adas3awngh iddi-siga wino aydani-yawa
التعريب:
لقد وجدت الفلاح في حقله يكدح
فشمرت عن سواعدي لأساعده رغم أن الحقل ليس ملكي
يعكس هذا البيت قيمة التضامن في ثقافة إقبليين (الحراطين) فالشاعر شمر عن سواعده ليساعد فلاحا عمله، ويتقاسم معه محنته، ولا ينتظر من ذلك مقابلا ماديا أو ما شابه، فهدفه في آخر المطاف هو المساعدة والتضامن.
والواقع أن مظاهر قيم التضامن حاضرة بقوة في واحات الجنوب الشرقي خصوصا " غريس، فركلى، تدغى .." فالتعاون في الأشغال الفلاحية وحتى في تشييد الدور كان سائدا، غير أن هذه القيمة اضمحلت بفعل تغير الشروط الموضوعية للحياة بالواحات اليوم.
إن أشعار باهبي زاخرة بالقيم، ولا يمكن بأي حال الاحاطة بها جملة وتفصيلا حيث يتسم باهبي بالشتات حتى الآن، وما جمع منه لا يفيذ في التعريف بكنه ثقافة إقبليين (الحراطين)، وما يهمنا هو أن تتظافر الجهود من أجل الكشف عن الباهبيات التي تزخر بها واحات الجنوب الشرقي، وبالتالي حفظه من الاندثار والموت الزؤام الذي يهدده حتى الآن ...


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل

أهم نظريات التنشئة الاجتماعية

النظرية البنائية الوظيفية : ويمكن القول بأنها نظرية تستمد أسسها من النظرية الجشطالتية في علم النفس و التي تدور فكرتها المحورية حول تكامل الأجزاء في كلّ واحد، بتحليل العلاقة بين الأجزاء و الكل، بمعنى أن كل عنصر في المجموعة يساهم في تطور الكل. فأصحاب هذه النظرية يرون في الأفراد و الجماعات أو أي نظام أو نسق اجتماعي يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، و بالتالي فان كل جزء من أجزاء النسق يكون وظيفيا، تماما كجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء ولكل جزء وظيفته [1] . و تشير النظرية البنائية الوظيفية؛ إلى أن كل أسرة نسق فرعي للنسق الاجتماعي، تتفاعل عناصره للمحافظة على البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه. وتركز هذه النظرية على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة و الوحدات الاجتماعية الكبرى، من خلال الدور الذي تؤديه في عملية التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد في المجتمع . نظرية التحليل النفسي: ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الجهاز النفسي للفرد يتكون من الهو والأنا والأنا الأعلى [2] . ويمثل الهو الجانب اللاشعوري من شخصية الفرد، وبالتالي فهو يميل إلى تحقيق غرائزه الفطرية؛ من مأكل ومشرب وجنس...الخ. ل