لم تكن أيامه كما توقعها؛ سعادة، انبساط، ابداع، رفاهية...إبهار ونجاح، بل كانت عبارة عن تراجيديا اجتماعية راح بطلها الأول؛ تعاسة، حزن، كآبة، انبهار، دهشة، وفشل... لكنه رغم كل ذلك لا يزال صامدا أمام شؤبوب كل هذا الحزن الرهيب، فقد رمقت في عينيه العليلتين إيمانا بالقدر، وهو حتى الآن مقتنع أشد الاقتناع بأن مساره إنما أريد له ان يتوج بنجاح باهر يغطي به كل العقبات وينتصر، فإرادة القوة جعلته ينسى ضعفه ويتنكب لالآمه وآهاته، وصدى النضال من أجل التحرر من العنصرية المقيتة لا يزال يرن في داخله ليوقظ المارد الجبارالعاتي الذي يسكنه. لقد سمعته على حين غرة يردد في غابة الذئاب عبارات المجد القديم، فعلى الرغم من الضنك الذي قاساه في تجربة حزن طوحته إلى قلب خم الآهات والالام، إلا أنه فطن مبكرا إلى الدرس الكبير والحكمة الخفية من علاقته العاطفية الأشبه بقصة الحمار والثعلب. وبعلاقته المهنية الذي يعود فيها دوما بخفي حنين،فلا فلسفته أفادته، ولا منطقه سانده، ولا عناده اكسبه البهجة المفقودة عن شخصه منذ شهور طوال...
حاولت أن أوجد وسيلة لمساعدته لعله يتخطى حالته الراهنة، فأنشدت له قصيدة "الحماسة" التي كان قد نسي كلماتها الرنانة، وإيقاعها الأهوج، فخفق قلبه بشدة جنونية، وتلألأت عيناه بالدموع الحارقة، واهتزت جنباته اهتزازا عجيبا، وتأكدت فيما بعد أني أعدت ذاكرته الى ذلك الزمن الخالي، الذي كان ينظم فيه الكلام نظما ويصبغه بمجازات واستعارات وابداعات فنية جميلة الشكل طيبة المضمون، لم يكن أحد يتوقع أن يتخلى عنها ذات يوم، غير ان الحياة أعقد من أن تعرف باسمها، فكل تجربة يخوضها الانسان إلا وتحدث في ذهنه تأثيرا يختلف من فرد لآخر، ولو أن شخصا آخر حل محله لفقد صلته بعقله بالتأكيد...
لقد كانت صدمته قوية جدا عندما أخبر بأنه فشل مرة أخرى... لم يكن يعلم سبب أزمته لكنه أيقن أن الحظ لم يسعفه في المسار حتى الآن، فلا هو وفق بكسب ود بعض القلوب الحقودة، ولا هو تجاوز الامتحانات الميؤوسة، فأصبح قلبه معلقا بين متناقضين، فهو مشرئب نحوالمستقبل من ناحية، ومتقوقع على وعود ماضيه من ناحية ثانية، ولم يعد يملك حيلة لوضعه المأساوي غير الصبر والعمل بجد على ملء حياته بالأمل والثقة، خصوصا وأنه يحمل على عاتقه أملين؛ الأول تحقيق النصر للعائلة والثاني قلب الأفكار التي تأسس عليها مجتمعه المريض.
فيا أيها الحزن الكئيب أناشدك أن ترفع عنه الحصار فقد مل وسئم، وأن ترفع عنه الظلم فقد يئس من كثرة الهموم، أناشدك أيها الأمل أن تزيح عن قلبه الوهن.. الملل.. الأنين..والأوجاع، فقد سئم من تغريدات الحياة وإيقاع سمفونية الحزن والمعاناة، ومن القصة الدرامية التراجيدية الكئيبة، التي لا يزال يعزف على اوتارها منذ مدة طويلة لا تزال تتمدد وتطول...
تعليقات
إرسال تعليق