التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حنين وأنين

        
        لم تكن أيامه كما توقعها؛ سعادة، انبساط، ابداع، رفاهية...إبهار ونجاح، بل كانت عبارة عن تراجيديا اجتماعية راح بطلها الأول؛ تعاسة، حزن، كآبة، انبهار، دهشة، وفشل... لكنه رغم كل ذلك لا يزال صامدا أمام شؤبوب كل هذا الحزن الرهيب، فقد رمقت في عينيه العليلتين إيمانا بالقدر، وهو حتى الآن مقتنع أشد الاقتناع بأن مساره إنما أريد له ان يتوج بنجاح باهر يغطي به كل العقبات وينتصر، فإرادة القوة  جعلته ينسى ضعفه ويتنكب لالآمه وآهاته، وصدى النضال من أجل التحرر من العنصرية المقيتة لا يزال يرن في داخله ليوقظ المارد الجبارالعاتي الذي يسكنه. لقد سمعته على حين غرة يردد في غابة الذئاب عبارات المجد القديم، فعلى الرغم من الضنك الذي قاساه في تجربة حزن طوحته إلى قلب خم الآهات والالام، إلا أنه فطن مبكرا إلى الدرس الكبير والحكمة الخفية من علاقته العاطفية الأشبه بقصة الحمار والثعلب. وبعلاقته المهنية الذي يعود فيها دوما بخفي حنين،فلا فلسفته أفادته، ولا منطقه سانده، ولا عناده اكسبه البهجة المفقودة عن شخصه منذ شهور طوال...

        حاولت أن أوجد وسيلة لمساعدته لعله يتخطى حالته الراهنة، فأنشدت له قصيدة "الحماسة" التي كان قد نسي كلماتها الرنانة، وإيقاعها الأهوج، فخفق قلبه بشدة جنونية، وتلألأت عيناه بالدموع الحارقة، واهتزت جنباته اهتزازا عجيبا، وتأكدت فيما بعد أني أعدت ذاكرته الى ذلك الزمن الخالي، الذي كان ينظم فيه الكلام نظما ويصبغه بمجازات واستعارات وابداعات فنية جميلة الشكل طيبة المضمون، لم يكن أحد يتوقع أن يتخلى عنها ذات يوم، غير ان الحياة أعقد من أن تعرف باسمها، فكل تجربة يخوضها الانسان إلا وتحدث في ذهنه تأثيرا يختلف من فرد لآخر، ولو أن شخصا آخر حل محله لفقد صلته بعقله بالتأكيد...

       لقد كانت صدمته قوية جدا عندما أخبر بأنه فشل مرة أخرى... لم يكن يعلم سبب أزمته لكنه أيقن أن الحظ لم يسعفه في المسار حتى الآن، فلا هو وفق بكسب ود بعض القلوب الحقودة، ولا هو تجاوز الامتحانات الميؤوسة، فأصبح قلبه معلقا بين متناقضين، فهو مشرئب نحوالمستقبل من ناحية، ومتقوقع على وعود ماضيه من ناحية ثانية، ولم يعد يملك حيلة لوضعه المأساوي غير الصبر والعمل بجد على ملء حياته بالأمل والثقة، خصوصا وأنه يحمل على عاتقه أملين؛ الأول تحقيق النصر للعائلة والثاني قلب الأفكار التي تأسس عليها مجتمعه المريض.

     فيا أيها الحزن الكئيب أناشدك أن ترفع عنه الحصار فقد مل وسئم، وأن ترفع عنه الظلم فقد يئس من كثرة الهموم، أناشدك أيها الأمل أن تزيح عن قلبه الوهن.. الملل.. الأنين..والأوجاع، فقد سئم من تغريدات الحياة وإيقاع سمفونية الحزن والمعاناة، ومن القصة الدرامية التراجيدية الكئيبة، التي لا يزال يعزف على اوتارها منذ مدة طويلة لا تزال تتمدد وتطول...
 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل ...

سلسلة الأعمال الأكاديمية - قراءة في أعمال عبد الرحمان المالكي - مكناس

saidi.samir89@gmail.com مقدمة نظمت جامعة المولى إسماعيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية يومه 16 ماي 2016 ندوة فكرية حاضر فيها أساتذة وأكاديميون احتفاء بأحد أعلام السوسيولوجيا المغربية في الوقت الحالي، ويتعلق الأمر بالأستاذ عبد الرحمان المالكي صاحب كتاب "الثقافة والمجال دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب. ويعتبر الكتاب على حد تعبير جل المحاضرين نموذجا يحتدى به منهجيا للباحثين في مجال السوسيولوجيا عامة وسوسيولوجيا الهجرة بصفة خاصة، بالنظر لغنى الترسانة المنهجية المعتمدة فيه، وللحذر الإبيستمولوجي الكبير الذي أبداه ويبديه الرجل في كل أبحاثه بما في ذلك كتابه الأخير، الشيء الذي جعله متوجسا من نشر دراساته.  لقد كان عبد الرحمان المالكي في ذلك حريصا كل  الحرص على مراجعة بحثه بعناية وبشكل دؤوب، كما كان علاوة على ذلك شديد الحرص على التأني في الكتابة، لأن السوسيولوجيا عنده ما هي إلا تأن وحذر . إن الكتابة السوسيولوجية هي المراجعة المتفحصة للفكرة تلو الفكرة وللمنهج المعتمد في التقصي،  لذلك لازم الحرص والحذر إصدار كتاب "الثقافة والمجال" رغم حاجة المجتمع المغربي ...