التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الكتابة فن ووضوح



إذا كان الهدف من الكتابة هو النعبير عن الوجدان الفردي والجماعي في نفس الآن، فإن النص والخطاب يتجسد ككائن حي يعكس شخصية صاحبه؛ فقد تكون الكلمات التي يستخدمها الكاتب بسيطة واضحة فتفهم معها بساطة شخصه وحبه الوضوح وعدم التكلف في الصناعة، وقد تكون كلمات خطابه غاية في التعقيد والتكلف فتعكس تعقد الكاتب وحبه للغموض، وقد يكون تعقد النص رغبة من الكاتب نفسه لجعل ما يخطه في أحلى شكل وأفضل صورة، وهنا نتحدث أيضا عن الشخصية الشكلية المتفننة في الترف والبذخ في صناعة الكلمات وبناء الخطاب، (بورجوازية المفهوم ) وهذا الإنزياح الرهيب إلى الشكليات قد يوازيه بالمقابل فقر في مادة وجوهر مادة الخطاب،وهذه هي الطامة الكبرى،  وأحيل القارئ إلى مرحلة الإنحطاط في الشعر العربي حينما انسيق وراء الشكليات وتم تغييب المضامين.
يقول الشاعر:
ربابة ربة البيت ______تصب الخل في الزيت
لها تسع دجاجات ____ وديك حسن الصوت
مثل هذا الكلام كان شائعا عصر الإنحطاط الأدبي الذي وازى تدهورنا الحضاري، ولم يكن الأدب حينئذ إلا أدبا في حدود مطوقة بهاجس الشكليات التي لم تواكب المستجد الإجتماعي والثقافي وتغير واقع الحال.
إن الخطاب مطالب بتبني الوضوح في الوقت الحالي، لأن الوضع المعيش يفرض ذلك، وحيث أن هناك مستوى فكريا منحطا فإن وضوح الخطاب أمر يفرض نفسه بالقوة لا بالإختيار,
 وإذا كانت بورجوازية المفاهيم والتفنن فيها مطلبا مشروعا للضروريات الجمالية والفنية التي يقتضيها الخطاب الأدبي التعبيري، فإن الاهتمام المبالغ فيه بالشكليات قد يؤدي إلى إغفال الجوهريات والمضامين, علما أنها أساس كل متن وخطاب، وحينما ندرس سياقنا العام ونجد انه منكسر الشوكة، بطيئ الايقاع في سرداب التطور والرفاه، منهزم على كافة الأصعدة والمجالات والقطاعات، فإننا مطالبون بالاقرار بان أزمتنا خانقة وتحتاج إلى البديل، وذلك لتجاوز عطب السنين وعطب الكتابة عن هذا العطب العضال,
، إن لكتابة في مجتمعنا في نظري لم تفني دهرها في البحث عن سبب التأخر بما فيه الكفاية، فالكتاب إما أنهم ينساقون وراء الجمالية المتشدقة بالسجعيات والاستعارات والكنايات البئيسة ، وإما أنهم ينساقون إلى الأمور والقضايا التافهة المبهمة، التي لا يرتضيها سياقنا الاجتماعي المنكسر ، فما أحوجنا إذا إلى كتابة تعنى بالحفر في العطب لا إلى كتابات تخفيه فتتنكب عنه. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل ...

سلسلة الأعمال الأكاديمية - قراءة في أعمال عبد الرحمان المالكي - مكناس

saidi.samir89@gmail.com مقدمة نظمت جامعة المولى إسماعيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية يومه 16 ماي 2016 ندوة فكرية حاضر فيها أساتذة وأكاديميون احتفاء بأحد أعلام السوسيولوجيا المغربية في الوقت الحالي، ويتعلق الأمر بالأستاذ عبد الرحمان المالكي صاحب كتاب "الثقافة والمجال دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب. ويعتبر الكتاب على حد تعبير جل المحاضرين نموذجا يحتدى به منهجيا للباحثين في مجال السوسيولوجيا عامة وسوسيولوجيا الهجرة بصفة خاصة، بالنظر لغنى الترسانة المنهجية المعتمدة فيه، وللحذر الإبيستمولوجي الكبير الذي أبداه ويبديه الرجل في كل أبحاثه بما في ذلك كتابه الأخير، الشيء الذي جعله متوجسا من نشر دراساته.  لقد كان عبد الرحمان المالكي في ذلك حريصا كل  الحرص على مراجعة بحثه بعناية وبشكل دؤوب، كما كان علاوة على ذلك شديد الحرص على التأني في الكتابة، لأن السوسيولوجيا عنده ما هي إلا تأن وحذر . إن الكتابة السوسيولوجية هي المراجعة المتفحصة للفكرة تلو الفكرة وللمنهج المعتمد في التقصي،  لذلك لازم الحرص والحذر إصدار كتاب "الثقافة والمجال" رغم حاجة المجتمع المغربي ...