التخطي إلى المحتوى الرئيسي

موت الحوار الأسري





إذا غاب الحوار الأسري ماتت الأسرة، وإذا ماتت الأسرة مات المجتمع، ومما لا ريب فيه أن الأب في المجتمعات الباطرياركية الذكورية يساهم بشخصيته في تفكك الأسرة او في حمايتها،فتربية الطفل كما يقال يجب ان تبدأ عشرين عاما قبل ولادته، عبر تربية قطبي الأسرة نفسيهما بتحمل المسؤولية كاملة غير منقوصة في الاعداد والتكوين والتوجيه والرعاية، ولعل ضعف التواصل والحوار الأسري زعزع روح الإنتماء إلى الأسرة، خصوصا ونحن نعيش في زمن تفكك الأسرة الممتدة والمركبة ذات التنظيم التقليدي القديم، الذي يتشارك فيها الأعمام والأجداد في قيادة المنزل_ الإمبراطورية، فقد كانت الأسرة القديمة امبراطورية كبيرة تلعب فيها كاريزما الأب الأكبر دورا في الحفاظ على النسق الأسري العائلي ككل، فهو بمثابة روح الأسرة ورمز وحدتها وكيانها، بفضل السلطة الرمزية والمادية التي يحتكرها، والتي تجعل الجميع يخضعون لسلطته ويتقبلون جوره وطغيانه، وفي نفس الوقت حبه وحنانه.


أما اليوم فالأسرة المركبة والممتدة في طريقهما نحو الزوال، وقد حلت الأسرة النواة أو الأسرة النووية محلهما، حيث يعيش الطفل في جو تنخفض فيه درجة الحب والحنان الأسري،فإذا غاب الأب بقي الطفل مع امه وحيدا حزينا مهموما،وإذا غابت الأم بقي مع والده الذي قد يكون منهمكا بدوره في ضوضاء الآلة متجاهلا أو غافلا حاجة ابنه إلى الحب والتواصل والحوار الاسري.


لقد قضت وسائل الاعلام على التواصل وأضعفته في أسرنا، ما ينذر بتهديد مستقبل عدد كبير من الأطفال وقيادتهم إلى الادمان، وقد يتحولون الى الأطفال الفيسبوكيين أو البليستيشيين، وكل ذلك من نتائج الاهمال الأسري وترك الطفل ضحية الاعلام المغتصب للذاكرة. كما أن موت الأسر التقليدية ذات التنظيم القديم أدى في نظري إلى زيادة حجم الأزمة، فقديما كان للجدات والأجداد والأعمام والعمات دور كبير في التنشئة والتطبيع الاجتماعي وتمرير القيم الإنسانية الى الناشئة عبر الحكي الشفوي المتجسد أساسا في الألغاز والتنكيت، والحكايات الشفوية الشعبية والأمثال والقصص وما إلى ذلك، غير ان تغيرات المجتمع على النموذج والقالب الغربي أدى الى حرمان الجيل الحالي من الحنان العائلي فتم تعويض ذلك بالحنان الآلي الذي يعوضه الفيسبوك وتعوضه برامج ألعاب الفيديو التي تسد الفراغ العاطفي والروحي لجيل اليوم.


يحق لنا أن نجزع للتحولات القيمية التي نعيشها في زمن اليوم، ومن التطورات الكبيرة في مشاكل التواصل الاجتماعي والأسري الذي نتخبط فيه، ومن الضروري أن نطرح إشكالات دامغة حول مستقبل الجيل الحالي في ظل ما يعانيه من ازمات مرتبطة أساسا ببنائه التكويني الذهني، فجهاز الثقافة الحالية لا يشجع على العطاء إلا في مجالات ضيقة غير ذات قيمة تذكر، ومن الضروري على كبار وشيوخ من نعتبرهم مثقفين في بلادنا أن ينهمكوا قليلا في رسم مسار هذا التوجه الجديد وذلك لفهم إلى أين نمضي، و إن كان من الضروري التخطيط لاحلال منظومة من الأفكار محل الكائنة الآن فهذا أفضل، أو بعبارة أوضح يجب دفع التفكير إلى ضرورة صناعة جهاز ثقافي قادر على صناعة الأشخاص ممن يمتلكون القابلية لبناء الحضارة وصناعة المجتمع. لا إلى أفراد شغلهم الشاغل تتبع أخبار الفنانين ونجوم الكرة وجديد الفوتوشوب.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل

أهم نظريات التنشئة الاجتماعية

النظرية البنائية الوظيفية : ويمكن القول بأنها نظرية تستمد أسسها من النظرية الجشطالتية في علم النفس و التي تدور فكرتها المحورية حول تكامل الأجزاء في كلّ واحد، بتحليل العلاقة بين الأجزاء و الكل، بمعنى أن كل عنصر في المجموعة يساهم في تطور الكل. فأصحاب هذه النظرية يرون في الأفراد و الجماعات أو أي نظام أو نسق اجتماعي يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، و بالتالي فان كل جزء من أجزاء النسق يكون وظيفيا، تماما كجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء ولكل جزء وظيفته [1] . و تشير النظرية البنائية الوظيفية؛ إلى أن كل أسرة نسق فرعي للنسق الاجتماعي، تتفاعل عناصره للمحافظة على البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه. وتركز هذه النظرية على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة و الوحدات الاجتماعية الكبرى، من خلال الدور الذي تؤديه في عملية التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد في المجتمع . نظرية التحليل النفسي: ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الجهاز النفسي للفرد يتكون من الهو والأنا والأنا الأعلى [2] . ويمثل الهو الجانب اللاشعوري من شخصية الفرد، وبالتالي فهو يميل إلى تحقيق غرائزه الفطرية؛ من مأكل ومشرب وجنس...الخ. ل