نظمت شعبة ماستر
دراسات في الثقافة الشعبية المغربية يومه الجمعة 18/01/ 2013لقاء تواصليا مع الباحث المغربي في مجال السميائيات
سعيد بنكراد، الذي ألقى محاضرة دسمة بعنوان "سيميائيات الجسد" بالمدرج
الأزرق بجامعة ابن طفيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية – القنيطرة، وتأتي هذه
المبادرة الطيبة كرغبة جادة لتجويد قيمة ماستر "الثقافة الشعبية" من جهة
وكرغبة لتقليص المسافة بين كبار المفكرين والباحثين في هذا المجال وطلبتهم. وسأحاول أن اعرض في هذا التقرير لأهم
ما رافق محاضرة سعيد بنكراد التي لقيت استحسانا من لدن الحضور فإليكم تفاصيل ما
وقع:
قبيل محاضرة سعيد بنكراد:
غص المدرج الأزرق
بالطلبة قبيل دخول الأستاذ سعيد بنكراد رفقة الأستاذ المسير المنقاشي، وسط تصفيقات
حارة للحضور، وافتتح الأستاذ "المنقاشي"
المحاضرة بشهادة أحد المفكرين المغاربة في حق سعيد، نشرها في عدد من أعداد جريدة
المساء المغربية.بعد ذلك عرض الأستاذ المنقاشي مختصرات من حياة سعيد الإبداعية؛ فهو إلى جانب كونه باحثا في حقل السيميائيات
مدير لمجلة علامات المغربية؛ التي قال عنها عبد العالي اليازمي" ..إنها مجلة
ذائعة الصيت وذات مضمون رصين.." علاوة
على كل ذلك يعتبر سعيد بنكراد مترجما من العيار الثقيل على حد تعبير المنقاشي نفسه.
وبعد هذا
الاستهلال الذي أشاد بدور الرجل وقيمته العلمية وشهرته الواسعة عربيا وعالميا،
أعطيت الكلمة مباشرة لسعيد بنكراد وقد جاء مضمونها غزيرا.
مضمون محاضرة بنكراد:
افتتح سعيد
محاضرته بكلمة تواضع، كرد فعل على ما قيل في حقه من شهادات وإشادات قبل أن يفاجئ
جمهوره بغوصه المعهود في تحليلاته السيميائية، فانطلق من اعتبار الإنسان- ذلك
الكائن الرمزي- منتجا للدلالات، وهو في الآن ذاته الضحية الأولى لهذه الدلالات
ويعتبر البحث فيما أودعه الإنسان وأودعته الثقافة من رموز ودلالات جوهر ما يؤسس
للتحليل السيميائي، هذا طبعا مع إيماننا بأهمية اللغة التي تعتبر المدخل الرئيسي
لفهم واستيعاب الرموز ودلالات الصور، فالإنسان يسمي الأشياء ليتعرف أكثر على
العالم الخارجي، غير أن استعمالات الإنسان للغة ليس استعمالا ميكانيكيا، و إنما
الأمر أعقد من ذلك بكثير، فالتأويلات، والاستعارات والمجازات، الكنايات، التشابيه،
المعاني، الرموز..والأساطير؛ كلها سمات تشكل اللغة التي تشكل بدورها الإنسان
وثقافته، ولا يمكن بالتالي فهم ثقافة مجتمع أو نسق رموزه الثقافية إلا عبر معرفة
لغته، أو كما قال فيدجنشتاين تنتهي حدود عالمي في حدود لغتي.
فالأسد يحمل أكثر
من دلالة اعتباره مجرد حيوان في الغابة، وأصبحنا نلصق به صفات القوة، الشجاعة،
البطش " أسود الأطلس نموذجا " والخنزير نلصق به صفات الديكتاتوري
والسفاح، فالفكرة حسب بنكراد قد تكون استنادا إلى الشكل والشكل يبني به الإنسان
موضوعا، وهناك سمات تقفز من ثوبها الطبيعي الغريزي إلى ثوبها الثقافي؛ وأعطى مثالا
على ذلك بالغمز، بل إن هناك تصنيفات ثقافية لأنواع الابتسامة، فهناك الابتسامة الزرقاء ، الصفراء
، الحمراء ..وهكذا فلكل ابتسامة لون معين، ولكل لون دلالة ثقافية محددة ..
إن موضوع
السيميائيات عند "بنكراد" هو الإنسان، وطريقة إنتاجه للمعاني، فحركات
الأيادي ولغة الجسد والإيماءات وطرق اللباس والأكل إنما هي لصيقة بثقافة من
الثقافات، ولا يمكن تحليلها إلا بفهم السياق الثقافي العام الذي اندرجت وانبثقت
فيه.
وقد أعطى سعيد بعض
النماذج في تحليل الصورة ودلالات لغة الجسد من خلال الصورة الاشهارية
"لبنك" فإذا كانت البنوك بلا قلب ما دام هدفها الرئيسي هو الربح
والمنفعة؛ فإن الصورة الإشهارية في تشهير
أحد الأبناء والذي وضع في مقدمته صورة لامرأة رقيقة جميلة تحمل وردا، هي رسالة
خفية تحاول التأكيد على إنسانية البنك ورقته وعاطفيته. وإذا كانت هذه قراءة سعيد
بنكراد فإن تحليل الصورة الاشهارية لا يخضع لمنطق محدد، فكل باحث قد يقدم تحليلاته
الخاصة، والتحليل الجيد هو الأكثر ميدانية والأكثر تغلغلا في فهم السياق الثقافي،
والأكثر انفتاحا على العلوم الاجتماعية خاصة علم النفس والأنثروبولوية التأويلية
وعلم الاجتماع.
بعد الحديث الشيق –
الهادف حول الصورة الإشهارية ودلالاتها السيميائية انتقل بنكراد للحديث عن النص او
المتن المكتوب، فهو الآخر من اهتمامات التحليل السيميائي الذي يجب أن يعاد فيه
الإعتبار وتعطى له الأهمية على اعتبار أن النص أو المتن له من المعاني والدلالات
ما يجعلنا نقدم له دراسات وتأويلات، خصوصا وأن بنكراد يؤكد ها هنا بأنه " لا
وجود لنص مكتف بذاته " فكل نص هو انعكاس لثقافة وتأكيد لإيديولوجية "
وهنا يمكن الإحالة إلى عبد الكبير الخطيبي الذي قال" في ثنايا كل خطاب هناك
أيديولوجية "، فالنص إذ يعبر في ظاهره عن أفكار صريحة ففي ثناياه حقائق جمة
مضمرة؛ لا يكشفها إلا باحث محنك عارف بمناهج تحليل المحتوى وبارع في استنطاق
المتون..
تدخلات الطلبة
تميزت محاضرة بنكراد بتنظيم عالي المستوى، وقدم فيها الطلبة تدخلات في الصميم،
فمنهم من ركز في مداخلته على مساءلة الأستاذ في قضايا وأفكار مبهمة؛ نموذج الطلبة
الذين استوضحوا سعيد بنكراد على دلالات المربع السيميائي، دلالات الفضاء العمومي، مساءلة
المنهج المعتمد في التحليل السيميائي ...إلخ. ومنهم من قدم إضافات في الموضوع
خصوصا أحد أساتذة مادة التاريخ الذي أشاد بدور التحليل السيميائي في الحقل
التاريخي، واعتبره ذا أهمية بالغة؛ لفهم معمق للوثيقة والصورة التاريخية، وأعطى
نموذجا لما كتبته أحد الجرائد الفرنسية حول السلطان مولاي عبد الحفيظ
حينما خرج لنزهة الصيد بعد مرحلة مفاوضات طويلة انتهت بفرض الحماية على المغرب.
الرد على مداخلات الطلبة
جاء رده على
مداخلات الطلبة وأسئلتهم ببرودة دم وبثقة نفس كبيرة جدا ما ينم على كون الأستاذ
بنكراد خبير في ميدان اشتغاله، وأحد أقطاب التحليل السيميائي عربيا وعالميا، وجاءت
ردوده واضحة ودقيقة، وقد كان تفاعل الطلبة حيويا للغاية مع محاضرته، خصوصا وأنهم
صفقوا له أكثر من مرة اعترافا منهم له بجمالية لغته وحسن طريقته في التعبير ونقل
معاني الفكرة إلى جمهوره ..كل ذلك ساهم في نجاح المحاضرة التي أقيمت في أمسية
تستحق أن يكتب عنها ألف تقرير وتقرير.
ما بعد المحاضرة
بعد انتهاء محاضرة
الأستاذ سعيد بنكراد تهافت الطلبة عليه لالتقاط صور تذكارية وهذا نموذج منها
منهجية كتابة هذا التقرير
§ اعتمدت على الملاحظة بالمشاركة وحاولت نقل ما وقع بأسلوب مباشر بعيد عن
التعقيد والتصنع..
§ اعتمدت على الكتابة المختصرة، وركزت على الأفكار التي التقطها قلمي وحفظتها
ذاكرتي، في ظل افتقاري لوسائل التسجيل والتصوير..
§ حاولت بناء هذا التقرير وفق الصيرورة المنطقية للأحداث؛ حيث رصدت فيه أجواء
ما قبل المحاضرة، ثم أجواء المحاضرة بمختلف محطاتها.. قبل أن أختم بأجواء وطقوس ما
بعد انتهاء المحاضرة.
§ ركزت على أسلوبي الشخصي في نقل مضمون محاضرة الأستاذ سعيد بنكراد.
§ عملت على إغناء التقرير ببعض الصور الشاهدة على نجاح المحاضرة المتميزة.
§ ثم عملت في آخر المطاف على وضع تصميم من اختياري لغلاف التقرير مع كلمة
خاصة مني في حق هذه المحاضرة، وأهمية بادرة ماستر الثقافة الشعبية إحياء هذا
النموذج من الندوات والمحاضرات لطلبة هذا
المسلك؛ لما له من دور في إغناء حسهم النقدي والإبداعي وزيادة ثقتهم بأنفسهم..
كلمة لابد منها
إنه لمن دواعي
اغتباطي أن أنجز هذا التقرير المتواضع لمحاضرة قيمة للأستاذ المقتدر سعيد بنكراد،
والتي فتحت شهيتنا- نحن طلبة ماستر دراسات في الثقافة الشعبية المغربية- لمعرفة
المزيد عن كل ما يرتبط بمجال السيميائيات، خصوصا وأن منهجية التحليل في هذا الحقل
الخصب له فائدة عظيمة؛ لفهم الأنساق الرمزية التي تزخر بها ثقافتنا الشعبية المغربية
بكافة تلويناتها وتشكيلاتها.
ولا يمكنني في هذا
الصدد كطالب باحث في الثقافة الشعبية المغربية أن أمر في هذا التقرير دون التنويه
بالمجهودات الجبارة التي يبدلها أساتذتنا الأجلاء في الإستثمار المعرفي واستقطاب
عقول أكاديمية ذائعة الصيت؛ للمحاضرة والإفادة في كليتنا، وهذا إن دل على شيء فإنما
يدل على غيرة تغلي في القلوب، وحرصا على أشده لإمداد الطالب بالدعم المعنوي
والنفسي لبناء ذاته كباحث محنك تفاعل مع وجوه أكاديمية كبيرة زادت من ثقته بنفسه،
وفسحت أمامه مجال الإبداع والتألق على مصراعيه...
سمير الساعيدي
تعليقات
إرسال تعليق