التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التنشئة العنصرية بواحة فركلة

التنشئة العنصرية بواحة فركلة



ملخص بحث ميداني لنيل الإجازة في علم الاجتماع
من انجاز: الساعيدي سمير " حامل الجرة "
تحت إشراف وتوصية  الأستاذ والدكتور عبد الاله هلالي
تقديم عام
حاولت من خلال هذه الدراسة تسليط الضوء على ظاهرة " التنشئة العنصرية " التي تتوارى دائما وأبدا خلف قناع اجتماعي سميك اسمه الصمت والتنكيب من بوابة المجتمع الواحي الفركلي الذي يتكون من عدة جماعات اثنية، من بينها؛ جماعة إمازيغن، المرابطين، أيت باعلي أوحماد، أيت مرغاد اقبليين الشرفاء...إلخ، ويمثل البحث عن خصوصيات كل جماعة وعلاقة بعضها مع الآخر جوهر ما يؤسس لهذا البحث الميداني.
وقد شملت هذه الدراسة أربعة فصول بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة، فإذا كان الفصل الأول قد خصصته لكل ما هو منهجي - إجرائي ( موضوع البحث، أهدافه، منهجيته، اشكالياته، فرضياته ...) والفصل الثاني لكل ما هو نظري – توجيهي ( نظريات التنشئة الاجتماعية ، تدخلات الباحثين و أهل الاختصاص حول الظاهرة المدروسة ..)؛ فإن الفصلين الثالث والرابع قد خصصتهما لمجتمع البحث (واحة فركلة واحدة من أكبر الواحات الموجودة بالرشيدية) من خلال التنقيب والحفر معرفيا وميدانيا عن خصوصيات ومزايا هذا الحقل الاجتماعي؛ بداية من ما هو فيزيقي – جغرافي وصولا إلى ما هو ثقافي –إنساني، كما تم تخصيص حصة الأسد من هذين الفصلين لتحليل بيانات الدراسة من خلال ما استقيته من المسوح التي أجريتها على استمارة البحث ومقابلاته المختلفة.
وسأعرض في هذا الملخص الوجيز جدا لأهم ما رافق هذه الرحلة الميدانية المثيرة من محطات، بداية بسؤال الانطلاق وتحديد إشكالية البحث فضلا عن فرضياته، مرورا بإطاره النظري وتقنياته المختارة للتقصي العلمي للواقع؛ وهذه التقنيات كانت فرصة لاستعراض نموذج استبيان الدراسة ومقابلاتها  التي يسرت لي بحق قياس الفرضيات في مرحلة التحقق، وسأقف فيم تبق من عرض أبرز محطات هذا الموجز الوجيز لدراسة دامت زمنيا زهاء عام ونيف، ووصل عدد صفحاتها إلى مائة وسبعة وثلاثين صفحة كانت حصة الأسد فيها لمحور تحليل بيانات الدراسة، نظرا للمقارنات التي أجريتها بين الجماعات الاثنية الستة في تمثلاتها لطبيعة علاقة بعضها بالبعض الآخ، ولخصوصياتها وخصوصيات أفرادها والتي يتحدد عنه تشكل "هابيتوسها" أو نسق الاستعدادات التي تحملها في تمثلاتها للآخر"المختلف".
مشكلة البحث
يعج المجتمع المبحوث بأشكال عديدة من ظواهر التمييز العنصري؛ منها ما هو مرتبط بالمجال(عنصرية المجال) ومنها ما هو مرتبط باللغة ( عنصرية اللغة ) واللون و الانتماء الاثني و غير ذلك، وقد طرحت بذلك إشكالية مركزية مدعمة بإشكاليات فرعية تروم استنطاق الواقع وكشف حقيقته؛ من خلال اللامفصح عنه في العلاقات الاجتماعية الحذرة التي تسم المجتمع الواحي الفركلي.
فأما الإشكالية المركزية فقد تمت صياغتها على النحو التالي:
ما هي أهم مظاهر و تجليات "العنصرية" بواحة فركلة، وهل ساهمت العولمة من خلال وسائل الاتصال الحديثة في اضمحلالها أم أنها على العكس من ذلك زادت من احتدامها ؟
أما بخصوص الإشكاليات الفرعية، فقد تمت صياغتها على نحو يؤطر لأبعاد الظاهرة في شموليتها ومن مختلف أبعادها وجوانبها على النحو التالي :
o       ما أسباب اندلاع  العنصرية بين جماعات واحة فركلة ؟
o       هل لها نتائج سلبية على البناء الاجتماعي لفركلة ؟
o       هل من دور للمجتمع المدني في التخفيف من حدة التمييز؟
o       ماذا عن المثقف الفركلي !؟ ، هل دوره ايجابي في التعامل مع الظاهرة أم أنه متواطئ - مكرس لفعل التمييز ؟
وقد وضعت فرضيات البحث قبل الانتقال إلى بناء إطاره التحليلي ، وجاءت صياغة الفروض على هذا النحو :
o       العنصرية بواحة فركلة نتيجة عوامل - تاريخية بالأساس، غير أن هناك استمرارية حضور الظاهرة في المجال الواحي إلى يومنا هذا
o       العنصرية بفركلة أنتجت لنا علاقات اجتماعية حذرة، وزواجا من نفس الجماعة الاثنية  وصراعات رمزية تحتدم في الأحايين الانتخابية
o       جماعة اقبليين الاثنية أكثر جماعات واحة فركلة تعرضا لفعل التمييز العنصري، وجماعة أيت مرغاد أكثرها ممارسة لفعل التمييز
o       ساهمت العولمة من خلال التكنولوجيا الحديثة في اضمحلال حدة التمييز، كما أن دور المثقف وكذا جمعيات الواحة تلعب دورا كبيرا في ذلك
بعد صياغة الفروض انتقلت لبناء الإطار التحليلي للبحث، من خلال وضع خطة دقيقة بناء على المنهجية المتعارف عليها لدى عموم المشتغلين في علم الاجتماع وعلم الإنسان.
منهجية البحث
تعلمنا الاوالية السوسيولوجية بان لا بحث ميداني بلا إطار نظري يوجهه ويرشده، وقد عملت على هذا المبدأ واعتمدت على توجيه نظري ذو شقين : يتجلى الأول في إقحام أهم نظريات التنشئة الاجتماعية نظرا لقيمة مفاهيمها في إثراء النقاش حول الموضوع، ومن بين أهم النظريات المعتمدة في هذا الصدد أذكر على سبيل المثال لا الحصر؛ النظرية البنائية الوظيفية  نظرية التفاعلية الرمزية، نظرية التحليل النفسي.. إلخ.
أما الشق الثاني؛ فيتجلى في مقاربة موضوع "العنصرية" اعتمادا على تدخلات مجموعة من الباحثين من بينهم عبد الصمد الديالمي والباحثة الفرنسية ستيفاني بويسيل  وحسن قرنفل، و اتبعت ذلك بانتقادات وملاحظات شخصية مرفقة بتحليلات سوسيولوجية وأخرى سيكولوجية  للتفرقة الاثنية.
وإذا كان للإطار النظري دوره البالغ في توجيه مسار هذا العمل، فإنني على المستوى المنهجي قد اخترت وثيقة استبيان البحث لاختبار مدى صحة فرضياتي، وقد شمل الاستبيان الذي وضعته أسئلة مغلقة وأخرى مفتوحة، معتمدا في وثيقة الأسئلة؛ على توجيه المبحوث للإجابة على ما يلي:
o       أسئلة مرتبطة بالمبحوث ( جنسه، عمره، مستواه الدراسي، جماعته المرجعية، مجاله الجغرافي، حالته العائلية ، المستوى التعليمي لوالديه ...)
o       أسئلة مرتبطة بقياس تمثلات المبحوث وتصوراته لطبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة في المناخ الواحي، فضلا عن تصوراته لطبيعة العلاقة القائمة بين جماعته المرجعية وباقي الجماعات التي تستوطن ذات الجسد الاجتماعي، علاوة على توجيهه لمعرفة موقفه من الظاهرة وأشكال التمييز الممارس عليه في حالة تعرضه لموقف عنصري داخل الحقل الواحي لفركلة ...)
o       أسئلة عن واقع الزواج من نفس الجماعة الاثنية، من خلال توجيه المبحوث نحو معرفة وجهة نظره وتصوراته حول وجود الزواج المختلط بفركلة من عدمه، مع أسئلة فرعية ذات صلة بالموضوع  كترتيب الجماعات حسب انطوائيتها من وجهة نظر المبحوث، وترتيبه لأكثرها عنصرية وأقربها من جماعته و أبعدها عنها...)
o       أسئلة توجه المبحوث لقياس تمثلاته حول أدوار:
ü     المجتمع المدني في محاربة ظاهرة التمييز العنصري التي تزخر بها واحة فركلة
ü     العولمة من خلال وسائلها في اضمحلال أو احتدام حدة التمييز
ü     المثقف الفركلي ودوره في هذا الصدد ؛ فهل هو ايجابي أم سلبي..؟
هذا وقد طرحت كوكبة من الأسئلة حول رأي المبحوث بموضوع البحث اعتقادا مني أن رأيه قد يحمل معنى، فتباينت الآراء بين مرحب ومتوجس وشكاك..
لقد كان لنموذج الاستبيان الذي اعتمدت فيه على عينة أغلبيتها مثقفة، والتي وصل عدد أفرادها إلى 120 مبحوثا، موزعين بالتساوي على الجماعات الاثنية الستة محل الدراسة، وبالتساوي على مستوى النوع الاجتماعي( 60 ذكرا و 60 أنثى) فضلا عن بعض المقابلات الفرعية التي أغنت معلوماتي حول تاريخ المنطقة وطبيعة العلاقات السائدة بفركلة الأمس ومقارنتها بفركلة الآن؛ دور كبير جدا في التوصل إلى خلاصات يمكن اعتبارها مهمة. خصوصا عندما يصل مجموع المبحوثين إلى 139 مبحوثا مع فترة زمنية مهمة خصصتها للتنقيب والحفر معرفيا حول الموضوع.
أهم الخلاصات التي خرجت بها الدراسة
لقد خرج هذا البحث المتواضع بعدة خلاصات واستنتاجات لا يتسع المقام لذكرها جميعها نظرا لغزارة المعطيات التي استقيتها من المسوح التي أجريتها على نموذج الاستبيان وكذا المقابلات مع شيوخ المنطقة وبعض الوجوه المثقفة، ولعل أهم خلاصة يمكن الانطلاق منها في هذا الصدد قد جسده سؤال العنصرية في المجتمع الواحي الفركلي؛ الذي أكد أن واحة فركلة تعاني عنصرية مكبوتة تسكن لاشعور أفرادها وتحدد هابيتوسهم ذي النزعة الانطوائية، حيث أشارت 87.5% من عينة الدراسة أن المجتمع المدروس لايزال يعاني العنصرية بأشكالها وتلاوينها المختلفة، وتتنوع أشكال التمييز العنصري الممارس على هذه النسبة وتتعقد بتعقد المجتمع الفركلي نفسه، وتعتبر عنصرية اللغة أكثر الأشكال بروزا ب 39.53%، تليها عنصرية الإنتماء ب 32.96%، ثم عنصرية المجال ب 12.08%، فعنصرية اللون بنسبة 10.98%، وقد وصل عدد ضحايا التمييز العنصري بفركلة إلى 50%. أما بخصوص أكثر الجماعات الممارسة لفعل التمييز، فقد أكد مجتمع الدراسة أن "أيت مرغاد" أكثر جماعات الواحة ممارسة لفعل التمييز بنسبة 49.53%، تليها جماعة "أيت باعلي أوحماد" ب نسبة 19.62%، فالشرفاء بنسبة 9.34%، أما جماعات: "إمازيغن" و"اقبليين" وعلى وجه الخصوص "المرابطين" فهي أقل الجماعات عنصرية حسب تمثلات مجتمع البحث.
من موقع آخر أفادت مسوح الاستبيان أن جماعة أيت باعلي أوحماد أكبر ضحايا عنصرية الإنتماء، أما عنصرية اللغة فقد راحت جميع الجماعات التي لا تتكلم نفس لغة أيت مرغاد ضحيتها، و يمارس " حراطين" أيت مرغاد بدورهم العنصرية اللغوية وتسكن عادة اللهو والمزاح والتنكيت لكنها ذات دلالات واضحة للغاية، حيث يعتبر المخيال الواحي لغة جماعة أيت مرغاد المعيار الصافي لقياس جودة اللغة وحسن معدنها.
وتتجلى عنصرية المجال في التمييز الذي يقام بين الأفراد بسبب جغرافياتهم، فيقال مثلا هذا "أكسرير" نسبة الى قصر أسرير، أو هذا أوتغفرت " أو هذا أولخربات ...أما عنصرية اللون فيراح ضحيتها أفراد جماعة اقبليين، حيث أن الضمير الجمعي لواحة فركلة، لا يزال في واقع الأمر يعتبر أقبليي "حرطانيا" أو مواطنا من الدرجة الثانية، نظرا لماضي هذه الجماعة التي عرف عنها امتهان محتقر الأعمال؛ خاصة الفلح والحرث والخماسة والأعمال الدنيئة في عرف المجتمع الفركلي، وقد تم استنتاج المكانة الحضيضية التي لازال يحتلها "حراطين" واحة فركلة من خلال مجموعة من الأسئلة التوجيهية وكذا الملاحظات التحليلية للظواهر المعاشة ـ حيث أن قياس هابيتوس  كل الجماعات الاثنية عدا هابيتوس جماعة المرابطين بفركلة لا يزال يدرج اقبليين في خانة الجماعات "الأبعد" حيث يستحيل التزاوج منهم وإليهم.
على صعيد آخر وبخصوص أكثر جماعات الواحة انغلاقا بخصوص الزواج من نفس الجماعة الاثنية نجد "أيت باعلي اوحماد" في قمة الجماعات المتقوقعة، تليها جماعة أيت مرغاد فالشرفاء ثم اقبليين وبعدها "إمازيغن"، أما جماعة المرابطين فهي أكثر جماعات واحة فركلة انفتاحا في هذا الصدد، ويبدو أن لدورهم التاريخي القائم على الإصلاح بين الجماعات المتخاصمة، علاوة على حضوتهم الاجتماعية في ذلكم الوقت والتي يستمدونها من انتمائهم الشرفاوي إلى شيخ من شيوخ الزاوية دور في ذلك.

إن هذه الانطوائية التي تسم وتميز جماعات واحة فركلة، أنتجت لنا بحق علاقات اجتماعية حذرة محكومة بالمنفعية والمصلحية، فتبدو للعيان عادية غير أنها في العمق أكثر تعقيدا من أن تفصح عن كنهها بيسر، وتؤسس ظاهرة الزواج من نفس الجماعة الاثنية والمنزلقات اللغوية وزلات اللسان والصراعات التي تحتدم في الأحايين الانتخابية بخاصة، ناهيك عن الصراعات التي تنشب على أراضي الجموع ونحو ذلك، المداخل اللازم اعتمادها للتغلغل إلى جوهر مجتمع مغرق في التقليد والوفاء للعرف والتقليد والتنشئة العنصرية. ورغم أن نسبة 67.6% ترى أن العولمة في شخص وسائل الاتصال الحديثة التي غزت مجالات فركلة، لها دور في اضمحلال حدة التمييز مقارنة مع ما كان عليه الوضع في الماضي، و 43.33% ترى أن المجتمع المدني قادر على التصدي للظاهرة، إلا أن الواقع يكذب ذلك، فالعنصرية حاضرة بفركلة غير أنها تتستر خلف قناع سميك اسمه التحديث والتطور.

لقد أكدت نتائج بيانات الدراسة صحة الفرضية الأولى؛ حيث تأكد ان العنصرية نتيجة من نتائج الماضي السحيق الذي عاش الإنسان الفركلي في كنفه، وما يظهر آنيا ما هو إلا نتيجة من نتائج استمرارية التنشئة العنصرية والوفاء للعرف والتقليد، التي لم يستطع إنسان ذلك المجال الانسلاخ عنه، حتى ولو ظهر في صورة أكثر المثقفين إرادة للتغيير. كما تحققت الفرضية الثانية التي ترى أن الزواج من نفس الجماعة الاثنية، والصراع على أراضي الجموع والتعصب الذي يرافق الحملات الانتخابية والمنزلقات والزلات ما هي إلا نتيجة  للتنشئة العنصرية والأفكار الاستعلائية ذات النزعة الانطوائية بين الأفراد والجماعات. أما الفرضية الثالثة فنصفها مؤكد ميدانيا ونصفها الآخر لايزال مبهما ويحتاج لتوضيحات أكثر، والجانب المؤكد أن جماعة أيت مرغاد أكثر جماعات الواحة ممارسة لفعل التمييز، غير أن هذا البحث لم يتوصل باليقين إلى اكتشاف ما إذا كانت جماعة اقبليين حقا هي أكثر جماعات الواحة تعرضا لفعل التمييز، حيث أن المسوح أبانت عن تعقد الظاهرة أكثر من المتوقع، فقد راح الجميع ضحية لعنصرية معينة؛ سواء أكانت لغوية أو مجالية أو انتماء ... فكان من الصعب نتيجة ذلكم، تمييز أكثر جماعات الواحة تعرضا لفعل التمييز، ورغم أهمية ذلكم الجانب إلا أن تبخيس "الحرطاني" بفركلة  لا يزال يعشش في عقلية الانسان الواحي بفركلة، وهذا ما جسدته التمثلات التي شكلت هابيتوس ونسيج الذهنية الفركلية.
وبخصوص الفرضية الرابعة والأخيرة؛ فعلى الرغم من اعتقادي المبدئي بقدرة المؤسسة المدنية والمثقف ووسائل الاتصال الحديثة بالانبراء ايجابا لعنصرية القبائل والجماعات بواحة فركلة؛ إلا أن الواقع الاجتماعي قد كذب كل هذا الاعتقاد، وحطمته أرقام الاستبيان فطرحت علامات استفهام حول واقع الجمعية ودورها بفركلة، فعلى الرغم أن هذا المجال يزخر بالجمعيات إلا أن حضورها الورقي أقوى بكثير من حضورها على أرض الواقع، كما أن المثقف على الرغم من اصطناعه التمرد على الأعراف إلا انه يكرسها بسلوكياته وأفعاله ، أما المنابر التواصلية فإنها تحولت إلى فضاءات للقذف ورمي التهم جزافا و تبادل أفكار التعصب، بدل التصدي للظاهرة التي لا تزال تستنزف طاقات المجتمع الفركلي المشلول و المندثر.
خلاصة:
على غرار النتائج التي تم التوصل إليها في هذا البحث، يمكنني القول - كخلاصة محورية – بأن هناك استرتيجية وخطة عمل يجب أن يتقيد بها الباحث في مختلف عمليات استنطاقه الواقع وسبر أغواره، وهذه الخطة العملية هي جوهر ما يسمى في الأدبيات السوسيولوجية بمنهجية إعداد البحث العلمي؛ وهي التي تقي الباحث إلى حد ما من الوقوع في منزلقات وبديهيات الحس المشترك والأحكام القيمية –المعيارية  التي تشكل أفيون العلوم  وسمها القاتل..
وقد عملت قدر المستطاع من خلال هذه الدراسة تطبيق منهجية إعداد الأبحاث العلمية فكانت لتوجيهات السادة الأساتذة في علم الاجتماع – مكناس " جزاهم الله خيرا " الدور الكبير في إخراج هذا العمل المتواضع إلى حيز الوجود، وليس هذا الملخص الوجيز إلا فكرة محورية عن أهم المحطات التي رافقتني طوال سيرورة إعداد البحث ورسم معالمه وركائزه الأساسية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل

أهم نظريات التنشئة الاجتماعية

النظرية البنائية الوظيفية : ويمكن القول بأنها نظرية تستمد أسسها من النظرية الجشطالتية في علم النفس و التي تدور فكرتها المحورية حول تكامل الأجزاء في كلّ واحد، بتحليل العلاقة بين الأجزاء و الكل، بمعنى أن كل عنصر في المجموعة يساهم في تطور الكل. فأصحاب هذه النظرية يرون في الأفراد و الجماعات أو أي نظام أو نسق اجتماعي يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، و بالتالي فان كل جزء من أجزاء النسق يكون وظيفيا، تماما كجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء ولكل جزء وظيفته [1] . و تشير النظرية البنائية الوظيفية؛ إلى أن كل أسرة نسق فرعي للنسق الاجتماعي، تتفاعل عناصره للمحافظة على البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه. وتركز هذه النظرية على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة و الوحدات الاجتماعية الكبرى، من خلال الدور الذي تؤديه في عملية التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد في المجتمع . نظرية التحليل النفسي: ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الجهاز النفسي للفرد يتكون من الهو والأنا والأنا الأعلى [2] . ويمثل الهو الجانب اللاشعوري من شخصية الفرد، وبالتالي فهو يميل إلى تحقيق غرائزه الفطرية؛ من مأكل ومشرب وجنس...الخ. ل