حط بي الرحال أخيرا قي قلب جبال الأطلس الشاهقة ، بعد موسم من الكد و الكدح في التحصيل الدراسي و المعيشي؛ ، فكان لزاما علي أن أبحث لنفسي عن فضاء للاستجمام و أخذ قسط من الراحة السيكولوجية والبيولوجية ، وما انفكت مدينة " أزرو " الساحرة كالعادة في استقبال علة الأمير الفقير .
تجولت في اليوم الأول بين الجبال الأطلسية
المعشوشبة ، و في اليوم الثاني قمت بإطلالة سريعة على " عين
أغبال " أرض العيون و البقول ومنبت أزهار السوسن والأقاحي وكل الزهور، قبل
أن يستقر بي المقام أخيرا في رحاب حديقة غناء جميلة بمنطقة " تيزي مولاي
الحسن " بقلب الأطلس النابض .. وهناك اصطدمت سفينتي بمجموعة من أصدقائي
الأطفال؛ كانوا آية في الروعة و الطيبوبة والبراءة. كانت ضحكاتهم تملأ المكان سعادة وراحة،
خصوصا عندما يلعبون "الغميضة "أو "كرة القدم " أو"
الحجلة".. و كان من بين الأمور التي راعتني هناك شخصية
العم "عبد القادر" ، صاحب الألف حكاية وحكاية ، رجل يبلغ من الكبر
عتيا، بيد أن حيويته قد حولته إلى طفل فكه ؛ يلعب بدوره
الكرة مع الأطفال ، ويزعج الفتيات و المراهقات ويثير زوبعة من الأحداث الكوميدية بالمكان . وكان من موقعه يملأ الفضاء قهقة ويزيدها مرحا ..
كانت حديقة " أزرو" الغناء نصف حياته ،
ولما لا وهو المسؤول عن نظافتها و حماية أكنافها من البلاستيكيات و الملوثات.. وضع
العم عبد القادر نظاما صارما لسير حديقته ، وكل من خرق هذا النظام سيتعرض للعقاب
وفقا لمقتضياته المادة 20 من قانون هذا الشيخ العلامة، إما رشقا بالحجارة الصغيرة و
إما تهديدا بالعقاب بسلاحه الفتاك الذي هو عكازه الخشبي الغليظ.. كانت المراهقات عادة ما يخرقن القانون الداخلي
للحديقة؛ معلنات بذلك عن بداية الفرجة و ميلاد المسرحية الكبرى . و التي يراح العم
عبد القادر نجمها الأول و المراهقات شخصياتها المساهمة من دينامية الأحداث وتطورها
..فبعكازه الخشبي و جلبابه الأخضر الذي لا يفارق جسمه ليل نهار، وبأرجله غير
المتوازيتين بسبب ثقل السنين و خريف العمر ، كان العم عبد القادر يركض خلف
الأطفال الصغار والمراهقات الصغيرات اللواتي ارتكبن الجنح ؛ إما لمحاولة إتلاف العشب الأخضر أو
محاولة الوقوف على الكراسي، أو رمي النفايات في غير موضعها أو حتى في بعض الأشياء
الأكثر بساطة، كمحاولة تجريد العم عبد القادر من قباعته الصوفية ، فالمهم في
الأمر أن مسرحية "العصابة و الشرطي" أو القط و الفئران ستبدأ هذا الصباح، لتسدل
ستارها في أعقاب رنين جرس 12 من ظهيرة كل يوم استعدادا ليوم جديد ومسرحية
جديدة و أمل
جديد...
مساء الورد حامل الجرة
ردحذفهذه زيارتي الأولى لمدونتك ولم أندم عليها أبداً
فها هنا وجدت سرد صورة معينة بأسلوب شيق ومتماسك
ومميز حتى أن القارئ لا يمل ابداً حتى لو طالت سطورك
أكثر وأكثر لأن هناك ما يميزها ...
رمضان كريم
تحياتي وإحترامي