إن الباحث الأنثروبولوجي مطالب في كل خطواته العملية المعرفية بموضعة السياق العام الذي في ظله تبلورت المفاهيم الثقافية التي يستخدمها في تحليلاته التوصيفية للظاهرة محل دراسته، وذلك لهدف علمي ، يروم تقديم صورة واضحة المعالم عن المجتمع المبحوث ، و بالتالي سبر أغوار مختلف ظواهره ، من خلال موضعة السياق العام الذي عايشه هذا المجتمع. هذا طبعا دون إغفال للمؤشرات و المتغيرات السوسيوثقافية و التي تؤثر بدورها على الظواهر الأنثروبولوجية أو السوسيولوجية التي يتم الاشتغال و التنقيب المعرفي حولها.
ومما لا ريب فيه؛ أن المصطلح الأمازيغي " أزدام " ، الذي يرادفه مصطلح " التحطب " لا يخرج بدوره عن هذه القاعدة المتعارف عليها لدى عموم المشتغلين في علم الإنسان، لأن هذا المفهوم قد ارتبط بالمجتمع الواحي الفركلي بخاصة ، خلال مرحلة تاريخية سالفة، وخضع هذا المفهوم للتبدل و التغير موازاة بالتغيرات الموضوعية التي مست الجسد الاجتماعي الفركلي. ولعل الهدف الرئيس الذي جعلنا نقحم أنفسنا في النبش في تاريخ هذا المفهوم ؛ ناتج عن رغبتنا الذاتية لتسليط الضوء لأول مرة على معاناة النساء داخل الوسط الواحي الفركلي خصوصا ، و على صعيد واحات المغرب بصفة عامة. و أقصد بالضبط تلكم النسوة التي حملن على أكتافهن وظهورهن ثقل المادة الحيوية، فكدحن في الحقول وشاركن في البناء، وحملن على بعد مئات الأميال الحطب و الصخر و الماء..بعزيمة سيزيف وصبر أيوب ، ورغم أهميتهن القصوى في الحياة العامة آنئذ ، إلا أن المرأة الفركلية ظلت ولا تزال مقهورة داخل نسق ذكوري يتغنى بالفحولة والقوة .
لقد كان الحطب مادة حيوية في مجتمع فركلي ساكن لا وقود فيه ولا غاز. وكانت مهمة التحطب رهينة بالنساء ، فهن مطالبات بقطع المسافات للتزود بالمادة ، وعادة ما يذهبن في رحلتهن الخرافية على شكل مجموعات، التحاما ضد الوحيش وضد قساوة الظروف المرافقة لفعل التحطب.
لقد اندرج " أزدام " كحاجة حيوية أملتها الظروف وقتداك، ففي ظل محدودية وسائل الإنتاج، وستاتيكية المجال الفركلي، تضطر النساء للخروج إلى الفيافي في أوقات مبكرة جدا للتحطب ؛ إذ تستحيل الحياة بدون الحطب، فبه يتم طهي الطعام ..ما يؤكد على الوظيفة الحيوية لهذه المادة وكذا الحيوية التي تحتلها النساء المعنيات بالبحث عن هذه المادة .
لقد أكسبت العادة هذه النساء قدرة كبيرة على التحمل والكد بخاطر مرتاح وصدر رحب، هذا ما عكسته الأهازيج التي تتلى في رحلة التحطب؛ يشير هذا المقطع الأمازيغي المحلي :
« alm3awnt ten rbbi *** alm3awnt arakmed »
الى حضور المقدس وطلب المساعدة الإلهية في عملهن ، أما المقطع التالي:
« ayazwo adure-tsdidiyt *** agato geght yad iykcheden » و الذي يردد كلما باشرت النساء بحمل ما حصلنه من حطب - على شكل كتلة مستطيلة الشكل طويلة وثقيلة جدا ؛ فيشير إلى حالة سيكولوجية بالأساس، يتجلى في مطالبتهن اللاشعورية الرياح بالهدوء والسكينة، مادام الحبل محاطا بالحطب، و بالتالي انتهاء مهمة التحطب، وبداية مهمة حمله على ظهورهن لمسافات طويلة، قد تصل إلى عشرين كلومترا وزيادة، تتخللها أوقات استراحة ، لأكل التمر وشرب اللبن.. كما تحكي عائشة . وطوال هذه الرحلة تتنكب النسوة على كل ألامهن ومعاناتهن ؛ بالكلام والتنكيت والضحك أحيانا، وأحيانا أخرى بالأهازيج التي يعكس جوهرها الألم النسائي والفركلي !.. وعندما يقتربن من باب قصورهن فإنهن يرددن عادة المطقع التالي :
“ a7n mays numdhouch *** i9iman gumrdul ”
عندما تردد هذه العبارة السالفة الذكر، تجتاح الطاقة من جديد الأجساد النسائية العليلة، وتزرع في نفوسهن طاقة أقوى لحمل أثقال الحطب ، و أثقال المجتمع الفركلي المندثر، فتتسارع النساء وتتسابقن لصدارة من يصل أولا الى باب القصر، ففي ذلك رمز للكاريزما والقوة النسائية العتيدة ..
الواقع أن هذا العرض المقتضب لأزدام / التحطب؛ يتغيى في جوهره تسليط الضوء على جانب من معاناة المرأة الفركلية خصوصا ، والقروية المغربية بصفة عامة ، من خلال طقس من الطقوس التي كانت إلى عهد قريب سارية المفعول في المجتمع الواحي الفركلي ، بل لا تزال حاضرة في بعض من قراه النائية إلى يومنا هذا ، والتي تعكس حجم المعاناة الجسدية والنفسية التي رافقت المرأة القروية وقتداك.
موضوع جديد كليا وأكثر من فيد فمازالت المرأة تعاني رغم تحديات العصر التي تواجهها تحية ود وتقدير
ردحذفوأشكرك من كل قلبي على تشريفك لي الدائم تحياتي
صباح الخير
ردحذفموضوع حلو وشامل
للاسف للان في القرن 21 لازات المرأه تعاني رغم التطور الذي شهده كل العالم
لكن رغم هذا فأنا أحيي كل هؤلاء النساء اللواتي لازلن يعملن ويكدن بانفسهن للسعي وراء لقمة العيش
تحية اجلال وإكبار ^_^
ان الحديث عن موضوع ازدام موضوع طريف وذو شجون .وفهمه يحتاج الى الاحاطة بالعوامل السوسيوثقافية ...الني كانت وراءه ذلك ان نساء المجنمع الواحي اكثر ممارسة لهذا العمل من الرجال الذين يمارسونه على ظهر الدواب في بعض الاحيان.فمن هذه الاسباب نذكر:
ردحذف-الفقروعدم امتلاك العقار والاشجارداخل المجال الزراعي بالقرية' القصر'ولهذا كانت نساء اقبليين اكثرنساءالقرية ممارسة لهذا العمل بعدما انتزع الرحل ممتلاكتهم و حولوهم الى اقنان يتعاطون الخما سة..
-العرف 'أزرف' امعانا في اذلال هؤلاء يصدرمجلس القصرمن خلال 'امغار ن تمازيرت' قرار منع الاحتطاب في ممتلاكات الغيرمما يدفعهم الى ممارسته في الشيع الجبال والاودية..
-شحة الحطب في الواحة والاقبال عليه باعتباره غاز العصر حيث يتجسد في جريد النخل الياس وبعض اغصان الاشجار اليابسة اوالميتة وهي صالحة فقط الافران للخبز..
-النوعية والجودة فحطب المشاع بتصف بالمتانة لغلظته ويصلح لطهي الطعام وتوفير الجمار الفاخر للشاي وتخزينه للضرورة .-حرية استعمال انواع الالات والفؤوس وحتى الاحتطاب في المشاع..
- ثقافة لفكيرة'تكات' وما تحتاج اليه من حطب كثير خصوصا في فصل الشتاء...