التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الصيد



في زمن تتعرض فيه المفاهيم للتبدل و التغير شأنها بذلك شأن تبدل الأحوال في المعيش والقيم، واضمحلال الإنتاج الثقافي وتكيفه الدؤوب مع ثقافة الأمركة. أصبحت للمفاهيم المتداولة في المجتمع المغربي خاصة ، دلالات وتمثلات جديدة جعلتنا نخرج عن قاعدة قل الوضوح أو اصمت في تفاعلاتنا الاجتماعية و تواصلنا اليومي إلى لغة التعقيد و الرموز.

مفهوم " الصيد "  نموذجا و الذي يستخدم في لغة الشارع المغربي؛ لم يعد  مرتبطا فحسب بصيد السمك أو الطيور، بل تعدى ذلك ليشمل الإنسان  لكن بطريق رمزية لا مادية . فالفتاة تخرج متزينة لتصطاد شابا، و الشاب بدوره يخرج متمظهرا متمسرحا ليصطاد فريسته و الحبل على الجرار.
وجدير بذكره أن تحليل هذه الظاهرة الجديدة من الزاوية السوسيولوجية تستدعي الغوص أكثر في التفاصيل من خلال عينة ومناهج وتقنيات التقصي العلمي. وهذا العمل يحتاج طبعا إلى جلد وعمل كبيرين. كما أن الظاهرة لا يمكن تحليلها بعيدا عن التأثيرات الاجتماعية و النفسية المتحكمة فيها ، حيث أن للعولمة تأثيراتها التي أضحت بديهية اليوم، نتيجة اضمحلال الإنتاج الثقافي بلغة بيير بورديو، فقد نجح هذا الإعلام من خلال التسويق الاشهاري، في تنميط الأذواق الشبابية على النموذج الأمريكي الاستهلاكي . فإذا كان مفهوم " الصيد " في المجتمع المغربي  يستخدم في صفوف شبيبته فإن هذا الصيد لا يتم إلا عن طريق نصب الفخاخ لإتمام العملية بنجاح منقطع النظير. ولعل المظهريات والاهتمام بالماديات لأكثر الفخاخ نجاحا في الإبهار و إنجاح مخطط الصيد، ما يفسر رواج مساحيق التجميل وملابس الموضة العصرية وتعرض الصناعة التقليدية للموت الزؤام. فقد نجحت الشركات الكبرى في التأثير عن طريق إشهار المنتوجات وإغراق الأسواق و تنميط الأذواق فأضحت المادة و المظهر هما كل شيء. إن المظهر هو عنوان الإبهار والعنفوان ، وسهم من سهام اقتناص الفرص الذهبية للصيد والاستمتاع بروح الحياة العصرية، من خلال إقامة علاقات حميمية مع الجنس الآخر،  بعد أن كانت بالأمس القريب ممنوعة قطعا تحت وصاية المقدس  والعرف و التقاليد.
وقد أضحى للمال في زمن اليوم قوة متعاضمة، تخترق الرموز و التقاليد وتتكيف مع معطيات الرأسمالية المتوحشة ؛ هذا ما أنتج لنا نماذج جديدة من السلوكيات و الأفراد ذوي الطبائع الغريبة ، فهناك من يبيع جسده مقابل المال  " نتحدث عن عامل الجنس و عاملة الجنس " نتحدث عن السحاقيات و مثليي الجنس أيضا."
و الواقع أن الشركات من خلال تأثيراتها النفسية و الاقتصادية و الاجتماعية هي التي تتصيد الجميع، حيث تمكنت هذه الشركات من تحويل الأفراد إلى مجرد  فئران للتجارب تمارس عليهم دور الوصاية و التوجيه و الإرشاد من خلال السلطة الرابعة و التي تجني من خلالها المال و المال الوفير... 

تعليقات

  1. والله موضوع قيم الطرح وخطر المضمون .. فالعولمة لم تدع لنا منفذ إلا وأثرت فيه أما صيد الإنسان لأخيه الإنسان فهل عدنا إلى العصر الحجري مع الأسف

    لا أعلم ماذا أقول ولكن هناك نفضة قادمة بإذن الله لكل هذه الأوبئة التي انتشرت بسبب العولمة

    ردحذف
  2. مساء الغاردينيا
    حقاً مؤلم مايحدث وأن تجعل الأنثى منها سلعة رخيصة
    ويقلل الرجل من قيمته بهذا الإنحطاط "
    ؛؛
    ؛
    موضوع عميق ومدونة راقية
    لروحك عبق الغاردينيا
    كانت هنا
    reemaas

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل

أهم نظريات التنشئة الاجتماعية

النظرية البنائية الوظيفية : ويمكن القول بأنها نظرية تستمد أسسها من النظرية الجشطالتية في علم النفس و التي تدور فكرتها المحورية حول تكامل الأجزاء في كلّ واحد، بتحليل العلاقة بين الأجزاء و الكل، بمعنى أن كل عنصر في المجموعة يساهم في تطور الكل. فأصحاب هذه النظرية يرون في الأفراد و الجماعات أو أي نظام أو نسق اجتماعي يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، و بالتالي فان كل جزء من أجزاء النسق يكون وظيفيا، تماما كجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء ولكل جزء وظيفته [1] . و تشير النظرية البنائية الوظيفية؛ إلى أن كل أسرة نسق فرعي للنسق الاجتماعي، تتفاعل عناصره للمحافظة على البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه. وتركز هذه النظرية على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة و الوحدات الاجتماعية الكبرى، من خلال الدور الذي تؤديه في عملية التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد في المجتمع . نظرية التحليل النفسي: ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الجهاز النفسي للفرد يتكون من الهو والأنا والأنا الأعلى [2] . ويمثل الهو الجانب اللاشعوري من شخصية الفرد، وبالتالي فهو يميل إلى تحقيق غرائزه الفطرية؛ من مأكل ومشرب وجنس...الخ. ل