ظلت بعض المفاهيم الطقوسية كالوشم " الحناء "
الحجاب " محصورة في مخيالنا الثقافي كزينة تتزين بها النسوة أو بعض الرياضيين
و العارضين ونحوهم، ولم نستطع الخروج بفكرنا بعيدا عن هذه التمثلات البالية التي
أضحت اليوم من باب التوهيم و التخريف.
فالوشم كما هو حال الحناء و الحجاب في ظل ثقافتنا حاليا
قد تحول إلى رسالة رمزية دالة ، إنه تعبير عن حالة سيكولوجية بالأساس إلى جانب
تعبيراتها الأنتروبولوجية و السوسيولوجية. يعد بالتالي فك شفرات و ألغاز الوشوم
على الأجساد النسائية أو زخارف الحناء على الأيادي و الأقدام ثم صورة الهندام وربطه
بطرائق المشي و الإيماءات و الحركات و مختلف السلوكيات.. من بين أهم المداخل
اللازم انتهاجها لسبر أغوار مجتمع لا يكشف عن نفسه بسهولة.
في بعض المناطق المغربية ( واحة افركلة في الجنوب الشرقي
المغربي نموذجا ) كانت النساء يكسبن دواتهن هوية خاصة، وذلك بوضع وشم على جبهة أو
ذقن الفتاة الناضجة ، إذ يصبح للوشم حينئذ وظيفة إخبارية ( الوشم يتكلم ) ويكشف عن
قدرة الفتاة و استعداداتها النفسية و الفيزيولوجية لدخول قفص الزوجية ،وما الوشم
إلا رسالة لكل من يهمه الأمر من شباب المنطقة المقبل على الزواج.
أما الحناء فيظهر من خلال زخرفته الجميلة على الأيادي
النسائية و أقدامهن أن وظيفته الاغرائية أقوى من وظيفته الطقوسية الاحتفالية ، ففي
الماضي القريب كانت النسوة في المناسبات الاحتفالية ( الأعياد ، الأعراس ...) يضعن
على أياديهن و أرجلهن الحناء بطريقة تقليدية؛ حيث يتم الطلاء على شكل كلي دون
التكلف في زخرفته. ومن بين النسوة من تضع الحناء في ذلكم الوقت لإخفاء التجاعيد
الناتجة عن الأعمال الشاقة التي تزاولها أغلبية نساء منطقة واحة افركلة ؛ "
الحش ، التحطب ، تربية الحيوانات الأليفة ، إزالة الأعشاب الضارة من الحقول ...).
بيد أن الحناء في الوقت الآني أخذ وظيفته الاستهوائية بصورة شديدة الوضوح في ظل
المتغيرات السوسيو-ثقافية التي مست الجسد الاجتماعي الفركلي خصوصا و المغربي
عموما.( تأثيرات العولمة ووسائل الإعلام و الهجرات..) فالفتاة تضع الحناء المزخرف
على يديها وقدميها لتستهوي الشباب في المناسبات الاحتفالية التي يحتشد فيها
الجمهور،
يعد بالتالي التفاعل و التواصل الرمزي أهم ما
يجب انتهاجه عند الفتاة الفركلية في ظل مجتمع الذكورة .
أما بخصوص الحجاب و الهندام عموما فدوره الاغوائي أقوى من دوره الوقائي
ضد التحرشات الذكورية ، ووظيفته الرمزية التعبيرية أقوى من وظيفته التقليدية
" التستر " ففي أعراس قبائل " آيت مرغاد نموذجا " تخرج الفتاة
الناضجة لأحيدوس " تازهزاكيت" رفقة والدتها التي تلبسها أفضل ما لديها من ثياب أصيل وحلي . يتكون
اللباس عادة من العناصر التالية ( تاس بليت tasbliyt ،
الكتّـــان ، elkattan أو قفطان أنيق ، حلي
تقليدي ؛ إحوريين" Ihorriyn
وهو نوع من الحلي الأمازيغي التقليدي "..) ثم تتعطر بأفضل المتوفر من العطور و تزين
عينيها "بتازولت " أي "
الكحل" وبحناء مزركش مزخرف على يديها،
تخرج إلى أحيدوس أو تازهزاكييت حيث تصطف النساء في جهة و الرجال في صف مقابل
ويمارسون رقصات تشبه تلك التي يقوم بها النحل ؛ وهذه الرقصات تتخللها لغة رمزية إذ
تركز الشابة نظرها على شاب أثار انتباهها " لتصطاده " كما يركز الشاب
على فتاة حسناء " لاصطيادها " .
ويمكن من موقع آخر اعتماد سبل
أخرى لتحليل وظيفة الهندام و الحجاب في المجتمع الفركلي بعيدا عن الاحتفالات قريبا
من الشارع و التفاعلات الاجتماعية وذلك بربطه بالتعابير السلوكية ) الإيماءات ،
طريقة المشي ، الأصوات وطرق التحدث ...) وكلها ظواهر تبدو للوهلة الأولى سطحية
لكنني أعتبرها من أهم المداخل اللازم اعتمادها في التحليل لكشف حقيقة المجتمع .
من خلال ما سبق يبدو واضحا أن
هناك سيرورة من التغيرات السيكولوجية مست جانبا مهما من التمثلات الاجتماعية للجسد،
حيث أصبح الحناء والوشم و الحجاب يتحول مع مرور الوقت إلى قنبلة موقوتة تفجر من خلالها النساء مكبوتاتهن الدفينة داخل
النسق الذكوري المهيمن والطاغي. والواقع أن الحاجة النفسية للتعبير تجد نموذجها في
المجتمعات المتخلفة و المقهورة و الباطرياركية في أشكال تعبيرية رمزية مكبوتة ؛
كالرقص و الوشوم و الزينة و..وتصبح بذلك اللغة الصامتة الرمزية من خلال جغرافية
الجسد وتمثلاته، من بين المقدمات الأساس لفهم البنيات اللاواعية التي تحكم تفاعلات
الناس داخل مجتمعهم .
تعليقات
إرسال تعليق