إن التحدي الحقيقي
الذي يجب أن يضعه كل فرد نصب عينيه يتجلى في مدى
قدرته على امتلاك شخصية معتدلة ومرنة
؛ لا تلقي اللوم والعتاب دوما على الغير ، وتعمل جاهدة على تحقيق تفاهم وتناغم واسع
النطاق مع الآخرين وذلك على الرغم من اختلاف
توجهاتهم وعقائدهم وشخصياتهم القاعدية أو ثقافاتهم المرجعية ؛ شخصية تحترم ذاتها بحق،
وتعمل بشكل واع على السيطرة على مختلف نزعاتها العدوانية الجشعة، وكذا إخضاع مختلف
الوضعيات الاجتماعية التفاعلية و العلائقية لمبدأ الاستيعاب و الفهم فتقبل الاختلاف كما الائتلاف.
إن أكبر خطأ يقع فيه
معظم الناس يكمن في إيمانهم المطلق بمعتقداتهم و أفكارهم وتوجهاتهم الحياتية لدرجة
تلغي الآخر المختلف، و تحاول أن تمارس عليه دور الوصاية والاحتواء الرمزي، فتعتبر عدم
اندماجهم وعقيدتهم وسردابهم الإيديولوجي خروجا عن المسار و السكة الصحيحة ، وفي هذا
الاعتقاد على ما يبدو لي نوع من الاستعلاء و بالتالي احتقار في الصميم لثقافة الآخر
المختلف .
إن انتهاج مسلك القهر
الرمزي أو المادي على ثقافة الأقليات و سائر
الحضارات سم زعاف يضني التواصل و الحوار الإنساني الكوني ، فحينما لا يحمل فرد أو ثقافة
مرجعية ؛ أدنى قابلية لاستيعاب أفكار ومعتقدات الغير تحت ذريعة من الذرائع الدينية
أو الاقتصادية أو العرقية أو الطائفية ...الخ، فان هذا مؤذن بخراب صروح التواصل و التفاعل
الأنيق، وتصبح بذلك مقولة حوار الشعوب مجرد
لفظ جميل الشكل تردده الألسن وترفضه القلوب المتشنجة الحالكة ، فكما أن القوقعة تتحدد
كشيء مادي منغلق على ذاته، فان الثقافة التي
لا تحمل في ثناياها أي استعداد وجداني لتقبل ثقافة المختلف كما المؤتلف هي أيضا مجرد
قوقعة منطوية ومغتربة عن هموم بني الإنسان، على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ومواقفهم
الحياتية العامة .
ولعل ما تعانيه في
هذه اللحظات الحرجة معظم الشعوب ليعكس بلا أدنى ريب مدى التدهور و الابتذال الذي وصل
إليه التواصل و الحوار الإنسانيين ، الذي لم
يبنى على ما يظهر على قواعد وأسس عتيدة من
الاحترام و تقبل الاختلاف ، ويبدو أن الجهل وضعف الاستبصار وعمق النظر في الظاهرة الإنسانية
وراء هذه الصراعات المحتدمة ؛ حيث انهار صرح
العلاقات الاجتماعية و الثقافية بين
بني الإنسان واخترق المادي – الاقتصادي الإنساني و الأخلاقي ؛ فاندحرت مفاهيم ؛ التواصل و الحوار و الاعتراف و التقبل
و الاحترام ...وحلت محلها مفاهيم التبادل والصراع و المنفعة و الهيمنة و الاحتواء و
القهر ..ومرد ذلك إلى التطور الحاصل على كافة الأصعدة و المجالات واندحار الأساس الأخلاقي
أمام الغول الاقتصادي الذي قلب العلاقات بين الأشخاص وحولها إلى مجرد علاقات بين أشياء
؛ فهواجس المادي تبتلع كل الهواجس الأخرى وتقوضها
من أساسها وتمارس عليها ضربا من التفكيك ورفع
القدسية .
وخلاصة القول فقد
أصبحت الحاجة ماسة لخلق جيل ناشئ مهيأ وجدانيا وسيكولوجيا لتحقيق تواصل إنساني فعال
مع بني الإنسان، ولن يتأتى هذا في ظل مؤسسات التطبيع الاجتماعي ذي التوجه الراديكالي
العنيف ، أو في ظل التنشئة التعصبية أو العنصرية التي تحدد طباع جيل لا يملك أي قابلية
للحوار و التواصل مع المختلف كما المؤتلف، فالاعتدال ، و الرصانة وعمق النظر و صفاء
النية و حب الحياة و احترام الإنسان – الشخص ، كلها مفاهيم وجب أن تشق طريقها لاستيطان
قلوب و أفئدة الجيل الناشئ المؤمل في تحسين
الصورة الباهتة التي تسم مجتمعاتنا المتخلفة و المقهورة.
صباح الخير...
ردحذفلدي وجهة نظر في موضوع التواصل الاجتماعي...للحفاظ عليه يجب خلق مسافة اكبر بين الطرفين حتى لا يخسر أحدهما الأخر..فهذه المسافة هي التي ستضع للاحترام رهبة وهيبة بين الطرفين لا محالة...
دمت بألف خير
تدوينة رائعه ومفيده جدا
صباح الغاردينيا
ردحذفمقال رائع وهادف
ويبقى الاحترام أساس أي علاقة "
؛؛
؛
لروحك عبق الغاردينيا
كانت هنا
reemaas
الحياة تمضي بنا بين شد وجذب .. ونحن نغوص في دوامتها
ردحذفموضوع شيق وراقي الطرح تحياتي الصادقة