التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في حاجة ماسة للتواصل...



إن التحدي الحقيقي الذي يجب أن يضعه كل فرد نصب عينيه يتجلى في مدى  قدرته على امتلاك شخصية معتدلة  ومرنة ؛ لا تلقي اللوم والعتاب دوما على الغير ، وتعمل جاهدة على تحقيق تفاهم وتناغم واسع النطاق مع الآخرين  وذلك على الرغم من اختلاف توجهاتهم وعقائدهم وشخصياتهم القاعدية أو ثقافاتهم المرجعية ؛ شخصية تحترم ذاتها بحق، وتعمل بشكل واع على السيطرة على مختلف نزعاتها العدوانية الجشعة، وكذا إخضاع مختلف الوضعيات الاجتماعية التفاعلية و العلائقية لمبدأ الاستيعاب و الفهم  فتقبل الاختلاف كما الائتلاف.

إن أكبر خطأ يقع فيه معظم الناس يكمن في إيمانهم المطلق بمعتقداتهم و أفكارهم وتوجهاتهم الحياتية لدرجة تلغي الآخر المختلف، و تحاول أن تمارس عليه دور الوصاية والاحتواء الرمزي، فتعتبر عدم اندماجهم وعقيدتهم وسردابهم الإيديولوجي خروجا عن المسار و السكة الصحيحة ، وفي هذا الاعتقاد على ما يبدو لي نوع من الاستعلاء و بالتالي احتقار في الصميم لثقافة الآخر المختلف .
إن انتهاج مسلك القهر الرمزي أو المادي  على ثقافة الأقليات و سائر الحضارات سم زعاف يضني التواصل و الحوار الإنساني الكوني ، فحينما لا يحمل فرد أو ثقافة مرجعية ؛ أدنى قابلية لاستيعاب أفكار ومعتقدات الغير تحت ذريعة من الذرائع الدينية أو الاقتصادية أو العرقية أو الطائفية ...الخ، فان هذا مؤذن بخراب صروح التواصل و التفاعل الأنيق،  وتصبح بذلك مقولة حوار الشعوب مجرد لفظ جميل الشكل تردده الألسن وترفضه القلوب المتشنجة الحالكة ، فكما أن القوقعة تتحدد كشيء مادي  منغلق على ذاته، فان الثقافة التي لا تحمل في ثناياها أي استعداد وجداني لتقبل ثقافة المختلف كما المؤتلف هي أيضا مجرد قوقعة منطوية ومغتربة عن هموم بني الإنسان، على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ومواقفهم الحياتية العامة .
ولعل ما تعانيه في هذه اللحظات الحرجة معظم الشعوب ليعكس بلا أدنى ريب مدى التدهور و الابتذال الذي وصل إليه التواصل و الحوار الإنسانيين ،  الذي لم يبنى على ما يظهر على  قواعد وأسس عتيدة من الاحترام و تقبل الاختلاف ، ويبدو أن الجهل وضعف الاستبصار وعمق النظر في الظاهرة الإنسانية وراء هذه الصراعات المحتدمة ؛ حيث انهار صرح  العلاقات الاجتماعية و الثقافية  بين بني الإنسان واخترق  المادي – الاقتصادي  الإنساني و الأخلاقي ؛ فاندحرت  مفاهيم ؛ التواصل و الحوار و الاعتراف و التقبل و الاحترام ...وحلت محلها مفاهيم التبادل والصراع و المنفعة و الهيمنة و الاحتواء و القهر ..ومرد ذلك إلى التطور الحاصل على كافة الأصعدة و المجالات واندحار الأساس الأخلاقي أمام الغول الاقتصادي الذي قلب العلاقات بين الأشخاص وحولها إلى مجرد علاقات بين أشياء ؛  فهواجس المادي تبتلع كل الهواجس الأخرى وتقوضها من أساسها  وتمارس عليها ضربا من التفكيك ورفع القدسية .
وخلاصة القول فقد أصبحت الحاجة ماسة لخلق جيل ناشئ مهيأ وجدانيا وسيكولوجيا لتحقيق تواصل إنساني فعال مع بني الإنسان، ولن يتأتى هذا في ظل مؤسسات التطبيع الاجتماعي ذي التوجه الراديكالي العنيف ، أو في ظل التنشئة التعصبية أو العنصرية التي تحدد طباع جيل لا يملك أي قابلية للحوار و التواصل مع المختلف كما المؤتلف، فالاعتدال ، و الرصانة وعمق النظر و صفاء النية و حب الحياة و احترام الإنسان – الشخص ، كلها مفاهيم وجب أن تشق طريقها لاستيطان قلوب و أفئدة الجيل الناشئ  المؤمل في تحسين الصورة الباهتة التي تسم مجتمعاتنا المتخلفة و المقهورة. 

تعليقات

  1. صباح الخير...

    لدي وجهة نظر في موضوع التواصل الاجتماعي...للحفاظ عليه يجب خلق مسافة اكبر بين الطرفين حتى لا يخسر أحدهما الأخر..فهذه المسافة هي التي ستضع للاحترام رهبة وهيبة بين الطرفين لا محالة...

    دمت بألف خير

    تدوينة رائعه ومفيده جدا

    ردحذف
  2. صباح الغاردينيا
    مقال رائع وهادف
    ويبقى الاحترام أساس أي علاقة "
    ؛؛
    ؛
    لروحك عبق الغاردينيا
    كانت هنا
    reemaas

    ردحذف
  3. الحياة تمضي بنا بين شد وجذب .. ونحن نغوص في دوامتها

    موضوع شيق وراقي الطرح تحياتي الصادقة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل

أهم نظريات التنشئة الاجتماعية

النظرية البنائية الوظيفية : ويمكن القول بأنها نظرية تستمد أسسها من النظرية الجشطالتية في علم النفس و التي تدور فكرتها المحورية حول تكامل الأجزاء في كلّ واحد، بتحليل العلاقة بين الأجزاء و الكل، بمعنى أن كل عنصر في المجموعة يساهم في تطور الكل. فأصحاب هذه النظرية يرون في الأفراد و الجماعات أو أي نظام أو نسق اجتماعي يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، و بالتالي فان كل جزء من أجزاء النسق يكون وظيفيا، تماما كجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء ولكل جزء وظيفته [1] . و تشير النظرية البنائية الوظيفية؛ إلى أن كل أسرة نسق فرعي للنسق الاجتماعي، تتفاعل عناصره للمحافظة على البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه. وتركز هذه النظرية على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة و الوحدات الاجتماعية الكبرى، من خلال الدور الذي تؤديه في عملية التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد في المجتمع . نظرية التحليل النفسي: ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الجهاز النفسي للفرد يتكون من الهو والأنا والأنا الأعلى [2] . ويمثل الهو الجانب اللاشعوري من شخصية الفرد، وبالتالي فهو يميل إلى تحقيق غرائزه الفطرية؛ من مأكل ومشرب وجنس...الخ. ل