في تفاعلاتنا الاجتماعية و علاقاتنا البيداتية المباشرة و غير المباشرة ، و في كل تمثلاتنا التي نشيدها و نحن بصدد تحقيق معرفة بالأشياء من حولنا ..باختصار شديد في علاقاتنا الاجتماعية ؛ تتكون لدينا تمثلات عن الأشياء و الآخرين وسرعان ما تتحول هذه التمثلات إلى برمجة راسخة في الأذهان .
إن هذه البرمجة تصور لنا الأشياء عادة ليس كما هي ، و لكن كما اعتقدنا أو نعتقد أنها هي ، ذلك لأنها – التمثلات عبارة عن نسيج و خليط غير متجانس من مجمل تصوراتنا و ادراكاتنا للذات و للمحيط السوسيوثقافي الذي نتفاعل معه باستمرار ، و من هنا ينشأ ما يسمى في القواميس السيكو اجتماعية بالحس المشترك وفي الأدبيات الابستيمولوجية ما يمكن تسميته بالمعرفة ما قبل العلمية و الوضعية أو في مجال علوم الإنسان بالمعرفة الشعبوية أو ما شابه .
بديهي إذا و انطلاقا من هذه المقدمة المختزلة لمواضيع تعتبر أكثر عمقا في التحليل في واقع الأمر ؛ أننا في ظل سياقنا ومناخنا الاجتماعي و الثقافي نشكل عادة معرفة مسبقة حول الأشخاص و الأشياء ، وهذه المعرفة من وجهة نظر سوسيولوجية و ابستيمولوجية معرفة مسبقة لا تمت *للعلمية* بأية صلة .
من خلال هذه الأفكار البديهية في حد ذاتها ، من الضروري الاقرار بنتيجة مهمة مفاذها ؛ أننا في إطار تنشئتنا الاجتماعية عادة ما نكون معرفة سطحية بالناس و العباد أو بعبارة أوضح ؛ إن فضاء تفاعلاتنا الاجتماعية هو فضاء لكل شيء و بالتالي لا شيء ؛ فهو عالم الأوهام و الحقائق ، و الجد و الهزل ، و الاجتهاد و الكسل ، و الجدية و التمظهرات ..الخ. فانطلاقا من اللغة و مختلف طرق استعمالها في تواصلنا اليومي ، مرورا بأشكال الطقوس و الاحتفاليات ووصولا إلى مرحلة إعمال نوع من النقد الذاتي السطحي لبنياتنا السوسيوثقافية ،فكل هذه الأشياء تشكل في الحقيقة أهم المظاهر الحياتية التي علينا أن نعيد التفكير فيها بعين ناقدة متفحصة تروم بالفعل تغيير ما يجب تغيره و تبني ما يجب تبنيه من أفكار تتواءم و الأهداف المسطرة في هذا الصدد .
يتعلق الأمر إذن بضرورة إحلال منظومة جديدة أو بالأحرى متجددة من الأفكار محل أخرى تبدو من وجهتي النظر الدينية و العلمية غير صالحة و طبيعة العصر و ظروف مجتمع العولمة و التكنولوجيا المتطورة ..الخ.
بناء على كل ما سبق ذكره حتى الآن من الضروري على كل مثقف (أقصد نخبة من المثقفين المستهدفين من هذا الخطاب و ليس أولئك الذين يبيعون الفكر الحر بالمادة ) توجيه النقد لسياقه العام ، كما يجب إتباع كل نقد من الانتقادات بأفكار الحنكة و الدهاء و قوة التبصر كلبنات - أساس للنهوض بعملية البناء من الجديد .
إن مصلحة المجتمع وتحرير الإنسان من أوهامه وخوفه و نكوصه هي أسمى الأهداف التي يجب أن يضعها المثقف- المخاطب دائما و دائبا نصب عينيه، وذلك لغاية مجتمعية هي بناء أساس متين لنموذج حضاري لا يهتز أمام عواصف العولمة و رياح الخلاعة، و جبروت الدولة ...الخ ، و الرهان من جديد سيعلق على نخبة من المثقفين الذين يمتلكون الطاقة المتجددة باستمرار و الرغبة التي تنبثق من أبسط الملاحظات و القلق حيال كل أوضاع مجتمعهم الديجورية ، كما أن الرهان من جانب آخر سيعلق كذلك على مدى قدرة هؤلاء المثقفين النخبويين على الانخراط الجماعي و التنسيق ووضع خارطة طريق فعلية للتغيير الجذري الذي سيبدأ بخطوته الأساس ؛ التي ستروم تغيير العقليات ونسيج أفكار التخلف المترسخة في ذهنية ولا شعور ومكنونات مجتمعاتنا العليلة ؛ وهو مشروع ضخم يحتاج بطبيعة الحال إلى جلد وصبر حقيقيين و إلى عمل قاعدي جذري تصاعدي.
إن تغيير العقليات ليعتبر أكبر المشاريع الإنسانية تعقيدا ، فالأمر لا يتعلق ببرنامج له نتائجه الآنية على المدى القريب أو المتوسط ، وإنما بمشروع نضع أولى لبناته في الوقت الآني و أملنا أن يستمر زاحفا في الزمان و المكان و كله طموح لا تفله عوائق الطبيعة و الجغرافيا ، و عقبات أنظمتنا الفاشلة ، أو سياسات سطحنا الاجتماعي الظالمة.
كما أننا في حقيقة الأمر جد واعون بالطابع المعقد لهذا المشروع المجتمعي بالذات ، غير إن الإرادة الغلابة التي تستوطن قلوب و أفئدة مجموعة من شباب البلاد لابد و أن تفعل على نحو يستفيد منها المجتمع مستقبلا ؛ و التنسيق في هذا الصدد سيكون ثاني لبنات المشروع بعد التمهيد التنظيري و إعمال الفكر الحر النزيه الذي لا تشوبه شائبة - غير هدفه المجتمعي الراقي – والرامي إلى إحلال مجتمع أكثر جدة و أكثر متانة خلقيا و اقتصاديا و اجتماعيا و أكثر دينامكية وتقدما بالمعيارين الإنساني أولا فالمادي ثانيا كبعدين أساسيين في النموذج الحضاري الذي نرنوا إليه الآن.
صباح الخير..
ردحذفصدقت بكل حرف سطرته هنآ ..
على الافراد والمجتمعات الوقوف وقفه جاده ع منصة التغيير والتحسين والمضي بالاتجاه الصحيح المرتكز على التطوير والنمو على كافةالاصعده ..
مقال وتدوينه مميزة وفي الصميم
موفق.
بوست أكثر من رائع .. فالمجتمعات خلقت لتتفاعل لا لتتواجه!!
ردحذفمشروع مجتمعي وما أحلاه يا حامل الجرة
ردحذف