التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الثقافة في خطر ..



إذا كانت الثقافة كما هو متعارف عليها لدى مجموعة من المشتغلين في علم الإنسان (الأنتروبولوجيا ) ، تعني في جملة ما تعنيها أسلوب حياة، وثقافة شعب ، وتشمل كل ما صنعه وابتدعه من أفكار و معتقدات وطرائق العمل فيما يصنعه..الخ،  فان الثقافة اليوم،  أضحت أكثر من أي وقت مضى في خطر يهددها في الصميم ، إنها في معركة حامية الوطيس مع  "العولمة"؛ كمفهوم و كفكرة قوية لها وجهان:  الأول ايجابي و الثاني سلبي .
 الوجه الايجابي للعولمة  موجود لكنه لا  يهمنا في هذا الصدد ما دمنا أقل استفادة منها مقارنة مع غيرنا ( الغرب أقصد ) ؛ لا أريد أن يقال في حقي مقصر فدوركايم  نفسه قال ذات يوم ؛ بأن العلم ويقصد السوسيولوجيا طبعا " لا يستحق لحظة عناء ان لم ينتفع به.. "، بالتالي فالجانب السلبي هو كنه الفكرة التي سأتطرق إليها لاحقا ، ما دمنا قابعين في الظلمات و التيه و الانحراف عن المسار الصحيح .
ان مفهوم العولمة كما هو معلوم في الأدبيات السوسيولوجية،  قد زعزع بالفعل وخلخل مفهوم الانتماء الى الدولة القومية ،  لهذا فهي تشكل خطرا ساري المفعول على ثقافة الشعوب ومعتقداتهم، وعلى  شخصيتهم القاعدية أو ثقافتهم المرجعية  بعبارة السيكولوجيين .
ومما لا شك فيه أن السوسيولوجي الفرنسي الكبير " بيير بورديو " قد انتبه الى هذه النقطة الجوهرية في كتاباته غير ما مرة ، وذلك حينما أعلنها بأسلوب شديد اللهجة " بأن الثقافة في خطر "، يقول في هذا الصدد " ان تحكم منطق الربح في الإنتاج الثقافي يعطي المال قوة رقابة متعاضمة في سوق الصناعات الثقافية اليوم ، ويعطي الثقافة الجماهيرية المؤمركة سيادة وهيمنة مطلقة ""
ان الخطر الذي يهدد الثقافة في الصميم إذن حسب بيير بورديو ؛  هو اختراق المنطق التجاري لكل مراحل إنتاج و ترويج المواد الثقافية، فالتنوع الكبير الذي تشهده هذه المواد مرتبط بتوحيد الطلب على المستويين الوطني والدولي ، وذلك عبر السعي  الى توحيد أذواق الجماهير و تنميطها على الأسلوب الاستهلاكي الأمريكي "" أمركة العالم ""
بناء على ما سبق؛ يبدو ان العولمة تتجه صوب زحزحة الثقافات و تنميطها على نموذج واحد " النموذج الأمريكي طبعا " ، حيث انتشرت ثقافة هذا المجتمع السيء السمعة  في العالم كما تنتشر النار في الهشيم ؛ نتحدث في هذا الصدد عن انتشار كبير لأغاني الروك في العالم بأسره، ونتحدث كذلك عن الأفلام الأمريكية التي غزت البيوت و الأخضر و اليابس ، ونتحدث كخلاصة لما قد يقال في مثل هذه المواضيع ؛ عن الشركات العابرة للحدود ذات الهاجس الربحي بالأساس ووريثة المبادئ الماكيافيلية "" الغاية تبرر الوسيلة ..." و التي ترصد للاشهارات ملايير الدولارات و الجنيهات الاسترلينة، هذا مع علمنا بمدى قوة الصورة الاشهارية  على المتلقي " الضحية ".
وخلاصة القول فان العولمة تهدد الثقافة عبر انسياق العباد الى عبادة أمريكا معتقدين خطأ  أنها الحق المعبود،  متجاهلين فكرة  انها تهدد مستقبل الحياة على هذا الكوكب الحزين ؛ عبر ما أثارته من فحشاء ومنكر في البحار " التهديد البيولوجي للثروة السمكية مثلا " و في البراري " انقراضات نباتية و حيوانية وتهديد التوازن البيئي .." بل و جوية  " الأوزون ...
لهذا فنحن في أمس الحاجة لإعادة الاعتبار للتعدد الثقافي، و مواجهة القطبية الأحادية و المحافظة على توازن مواطن القوة و الحياة، على أديم هذا الكوكب الشاحب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل

أهم نظريات التنشئة الاجتماعية

النظرية البنائية الوظيفية : ويمكن القول بأنها نظرية تستمد أسسها من النظرية الجشطالتية في علم النفس و التي تدور فكرتها المحورية حول تكامل الأجزاء في كلّ واحد، بتحليل العلاقة بين الأجزاء و الكل، بمعنى أن كل عنصر في المجموعة يساهم في تطور الكل. فأصحاب هذه النظرية يرون في الأفراد و الجماعات أو أي نظام أو نسق اجتماعي يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، و بالتالي فان كل جزء من أجزاء النسق يكون وظيفيا، تماما كجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء ولكل جزء وظيفته [1] . و تشير النظرية البنائية الوظيفية؛ إلى أن كل أسرة نسق فرعي للنسق الاجتماعي، تتفاعل عناصره للمحافظة على البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه. وتركز هذه النظرية على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة و الوحدات الاجتماعية الكبرى، من خلال الدور الذي تؤديه في عملية التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد في المجتمع . نظرية التحليل النفسي: ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الجهاز النفسي للفرد يتكون من الهو والأنا والأنا الأعلى [2] . ويمثل الهو الجانب اللاشعوري من شخصية الفرد، وبالتالي فهو يميل إلى تحقيق غرائزه الفطرية؛ من مأكل ومشرب وجنس...الخ. ل