التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ثقافة أوروبا وبربريتها لادغار موران/ ترجمة لمحمد الهلالي


في هذا الملخص الوجيز  لكتاب ادغارموان الشيق " ثقافة أوروبا وبربريتها " نهدي لقرائنا الكرام جانبا صغيرا جدا  من فكر هذا  الفيلسوف الفرنسي ، هذا مع العلم اني اقتصرت في هذا التلخيص على استنباط أهم أفكاره التي أثارتني و أحببت بدوري أن انقلها  ليستفيد منها الجميع .
اعتبر ادغارموران بأن الإنسان الصانع ، المفكر و الاقتصادي ..يمكن أن يكون في الوقت ذاته قادرا على الهذيان و الحمق .
        فالحمق في نظره  ترياق موجود في كل فكر وعقل، لهذا فالإنسان الصانع يخلق كذلك أساطير هاذية؛ يمنح الحياة لآلهة متوحشة قاسية ترتاب أفعالا بربرية.
الآلهة وليدة الثقافة البشرية ، وعلى الرغم من كونها كذلك ؛ إلا أنها تتمتع بحياة خاصة وبسلطة تمكنها من السيطرة على الأذهان. وبناء عليه فالبربرية الإنسانية تنجب آلهة قاسية ، و التي تحث بدورها البشر على البربرية، فنحن نشكل آلهة تشكلنا بدورها .


إن التقنيات التي أنتجها  الإنسان الاقتصادي؛ مثلها مثل الأفكار  ترتد ضده.
والإنسان الاقتصادي الذي  يجعل  المصلحة الاقتصادية فوق كل اعتبار، يميل إلى تبني سلوكات متمركزة حول الأنا، و التي تتجاهل الغير، وبالتالي تنمي من هذه الخاصية بربريتها الخاصة .
تتجلى بربرية المجتمعات السحيقة حسب ادغارموران؛ بقيامها بغزوات لضمان الحصول على المواد الأولية، حيث انفلتت الغزوات من الحاجات الحيوية  إلى إبادات جماعية ، وعمليات تخريب ممنهجة.. وسلب واغتصاب واسترقاق ؛ وهنا اتضحت معالم البربرية واحتد طابعها في ارتباط مع الحضارة.
إن تاريخ المجتمعات هو تاريخ الحروب الذي لم يهدأ لها ساكن ، كما أكد ذلك " غاستون بوتول " مؤسس علم الحروب ، ومع ذلك ؛ فهذه المجتمعات أنتجت إلى جانب البربرية ازدهار الفنون و الثقافة و المعرفة..
إن البربرية إذن ؛ هي عنصر يرافق الحضارة، وهي كذلك جزء لا يتجزأ منها، فالبربرية أنتجت الحضارة، فقد قاد الغزو البربري الرومان مثلا إلى قيام حضارة كبرى.
من جانب آخر؛ تجسد المحاولات التطهيرية  الدينية باسبانيا ودول أوربية أخرى ؛ اللاتسامح الديني لهذه الدول ، و بالتالي بربريتها ضد الديانات الأخرى خاصة اليهودية و الإسلام.
أما القرن العشرين حسب ادغارموران؛  فقد اخترع وحشية الأمم القائمة على الاثنية الواحدة. أي التمركز الغربي حول ذاته.
يوجد إذن في كل مجتمع وبشكل متزامن، فكر عقلاني تقني وعملي وفكر سحري أسطوري ورمزي.

تمثلت إحدى مظاهر البربرية الأوروبية؛ في نعت الآخر المختلف بالبربري عوض الاحتفال بهذا الاختلاف ، و أخده كفرصة للاغتناء و المعرفة و العلاقة  بين البشر؛ فالعقلانية في عصر الأنوار ق 18 كانت منصبة أساسا على الديانات ؛ أي نقد الديانات على اعتبار أنها تشكل أنسجة للخرافات و القصص.
كان ماركس يكره البورجوازية ومعجبا بها في نفس الآن ؛ كان يرى أنها الطبقة التي  تشغل بقساوة جزءا من الإنسانية من جهة،  ومن جهة أخرى كانت تدمر العلاقات العبودية و الإقطاعية العتيقة بخلق مجال لنشر أدب عالمي .

الترياقات الأوروبية : الثقافة الأوروبية كمضادات واقية.

ولدت مواطنة عالمية بمناسبة حرب " البيافرا " هذا الإقليم النيجيري الذي كان يصارع من أجل استقلاله، فأسست " جمعية أطباء بلا حدود " فكانت مهمتها هي معالجة الناس كيفما كان عرقهم أو دينهم ولونهم ...و بعد ذلك تضاعفت مثل هذه المنظمات الإنسانية، و هو الأمر الذي ينم على وجود وعي كوني جديد.
بدأت فكرة تبزغ في الحقب الأخيرة من القرن العشرين، حتى وان كان لها أصل قديم وهي فكرة سفينة فضائية هي الأرض ، تبحر على متنها الإنسانية ، هذه السفينة تسير اليوم بأربع محركات : العلوم ، التقنية ، الاقتصاد و الربح.
لكن هذه السفينة حسب ادغارموران تتجه نحو كوارث دون ان يتمكن أحد من التحكم فيها.

التفكير في بربرية القرن العشرين

بإيجاز؛ فان التنافس الأوروبي السياسي – الاقتصادي و العسكري الذي قاد الى قيام حروب عالمية مدمرة وغزوات استعمارية..ثم سعي روسيا القيصرية التي تأثرت بالماركسية لبناء مجتمع اشتراكي في عهد ستالين بدل نشر الثقافة الاشتراكية على المستوى العالمي في عهد لينين، يجسد إحدى أهم مظاهر بربرية أوروبا، كما أن النازية تعتبر منتوجا كارثيا للبربرية الأوروبية.
مع تحياتي .  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل ...

سلسلة الأعمال الأكاديمية - قراءة في أعمال عبد الرحمان المالكي - مكناس

saidi.samir89@gmail.com مقدمة نظمت جامعة المولى إسماعيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية يومه 16 ماي 2016 ندوة فكرية حاضر فيها أساتذة وأكاديميون احتفاء بأحد أعلام السوسيولوجيا المغربية في الوقت الحالي، ويتعلق الأمر بالأستاذ عبد الرحمان المالكي صاحب كتاب "الثقافة والمجال دراسة في سوسيولوجيا التحضر والهجرة في المغرب. ويعتبر الكتاب على حد تعبير جل المحاضرين نموذجا يحتدى به منهجيا للباحثين في مجال السوسيولوجيا عامة وسوسيولوجيا الهجرة بصفة خاصة، بالنظر لغنى الترسانة المنهجية المعتمدة فيه، وللحذر الإبيستمولوجي الكبير الذي أبداه ويبديه الرجل في كل أبحاثه بما في ذلك كتابه الأخير، الشيء الذي جعله متوجسا من نشر دراساته.  لقد كان عبد الرحمان المالكي في ذلك حريصا كل  الحرص على مراجعة بحثه بعناية وبشكل دؤوب، كما كان علاوة على ذلك شديد الحرص على التأني في الكتابة، لأن السوسيولوجيا عنده ما هي إلا تأن وحذر . إن الكتابة السوسيولوجية هي المراجعة المتفحصة للفكرة تلو الفكرة وللمنهج المعتمد في التقصي،  لذلك لازم الحرص والحذر إصدار كتاب "الثقافة والمجال" رغم حاجة المجتمع المغربي ...