في هذا الملخص الوجيز لكتاب ادغارموان الشيق " ثقافة أوروبا وبربريتها " نهدي لقرائنا الكرام جانبا صغيرا جدا من فكر هذا الفيلسوف الفرنسي ، هذا مع العلم اني اقتصرت في هذا التلخيص على استنباط أهم أفكاره التي أثارتني و أحببت بدوري أن انقلها ليستفيد منها الجميع .
اعتبر ادغارموران بأن الإنسان الصانع ، المفكر و الاقتصادي ..يمكن أن يكون في الوقت ذاته قادرا على الهذيان و الحمق .
فالحمق في نظره ترياق موجود في كل فكر وعقل، لهذا فالإنسان الصانع يخلق كذلك أساطير هاذية؛ يمنح الحياة لآلهة متوحشة قاسية ترتاب أفعالا بربرية.
الآلهة وليدة الثقافة البشرية ، وعلى الرغم من كونها كذلك ؛ إلا أنها تتمتع بحياة خاصة وبسلطة تمكنها من السيطرة على الأذهان. وبناء عليه فالبربرية الإنسانية تنجب آلهة قاسية ، و التي تحث بدورها البشر على البربرية، فنحن نشكل آلهة تشكلنا بدورها .
إن التقنيات التي أنتجها الإنسان الاقتصادي؛ مثلها مثل الأفكار ترتد ضده.
والإنسان الاقتصادي الذي يجعل المصلحة الاقتصادية فوق كل اعتبار، يميل إلى تبني سلوكات متمركزة حول الأنا، و التي تتجاهل الغير، وبالتالي تنمي من هذه الخاصية بربريتها الخاصة .
تتجلى بربرية المجتمعات السحيقة حسب ادغارموران؛ بقيامها بغزوات لضمان الحصول على المواد الأولية، حيث انفلتت الغزوات من الحاجات الحيوية إلى إبادات جماعية ، وعمليات تخريب ممنهجة.. وسلب واغتصاب واسترقاق ؛ وهنا اتضحت معالم البربرية واحتد طابعها في ارتباط مع الحضارة.
إن تاريخ المجتمعات هو تاريخ الحروب الذي لم يهدأ لها ساكن ، كما أكد ذلك " غاستون بوتول " مؤسس علم الحروب ، ومع ذلك ؛ فهذه المجتمعات أنتجت إلى جانب البربرية ازدهار الفنون و الثقافة و المعرفة..
إن البربرية إذن ؛ هي عنصر يرافق الحضارة، وهي كذلك جزء لا يتجزأ منها، فالبربرية أنتجت الحضارة، فقد قاد الغزو البربري الرومان مثلا إلى قيام حضارة كبرى.
من جانب آخر؛ تجسد المحاولات التطهيرية الدينية باسبانيا ودول أوربية أخرى ؛ اللاتسامح الديني لهذه الدول ، و بالتالي بربريتها ضد الديانات الأخرى خاصة اليهودية و الإسلام.
أما القرن العشرين حسب ادغارموران؛ فقد اخترع وحشية الأمم القائمة على الاثنية الواحدة. أي التمركز الغربي حول ذاته.
يوجد إذن في كل مجتمع وبشكل متزامن، فكر عقلاني تقني وعملي وفكر سحري أسطوري ورمزي.
تمثلت إحدى مظاهر البربرية الأوروبية؛ في نعت الآخر المختلف بالبربري عوض الاحتفال بهذا الاختلاف ، و أخده كفرصة للاغتناء و المعرفة و العلاقة بين البشر؛ فالعقلانية في عصر الأنوار ق 18 كانت منصبة أساسا على الديانات ؛ أي نقد الديانات على اعتبار أنها تشكل أنسجة للخرافات و القصص.
كان ماركس يكره البورجوازية ومعجبا بها في نفس الآن ؛ كان يرى أنها الطبقة التي تشغل بقساوة جزءا من الإنسانية من جهة، ومن جهة أخرى كانت تدمر العلاقات العبودية و الإقطاعية العتيقة بخلق مجال لنشر أدب عالمي .
الترياقات الأوروبية : الثقافة الأوروبية كمضادات واقية.
ولدت مواطنة عالمية بمناسبة حرب " البيافرا " هذا الإقليم النيجيري الذي كان يصارع من أجل استقلاله، فأسست " جمعية أطباء بلا حدود " فكانت مهمتها هي معالجة الناس كيفما كان عرقهم أو دينهم ولونهم ...و بعد ذلك تضاعفت مثل هذه المنظمات الإنسانية، و هو الأمر الذي ينم على وجود وعي كوني جديد.
بدأت فكرة تبزغ في الحقب الأخيرة من القرن العشرين، حتى وان كان لها أصل قديم وهي فكرة سفينة فضائية هي الأرض ، تبحر على متنها الإنسانية ، هذه السفينة تسير اليوم بأربع محركات : العلوم ، التقنية ، الاقتصاد و الربح.
لكن هذه السفينة حسب ادغارموران تتجه نحو كوارث دون ان يتمكن أحد من التحكم فيها.
التفكير في بربرية القرن العشرين
بإيجاز؛ فان التنافس الأوروبي السياسي – الاقتصادي و العسكري الذي قاد الى قيام حروب عالمية مدمرة وغزوات استعمارية..ثم سعي روسيا القيصرية التي تأثرت بالماركسية لبناء مجتمع اشتراكي في عهد ستالين بدل نشر الثقافة الاشتراكية على المستوى العالمي في عهد لينين، يجسد إحدى أهم مظاهر بربرية أوروبا، كما أن النازية تعتبر منتوجا كارثيا للبربرية الأوروبية.
مع تحياتي .
تعليقات
إرسال تعليق