تتشكل واحة افركلة من تكتلات تمتلك هوية خاصة. فلكل قبيلة هويتها ووحدتها وعواطفها و أفكارها ومعتقداتها..الخ، و بالتالي فلكل قبيلة شخصيتها التي تميزها عن غيرها من القبائل الفركلية التي لا تزال في كثير من ملامحها محافظة على التنظيم القبلي التقليدي، ما يجعل الفرد داخل هذا النسق القبلي شبه مختف وذائب وخاضع لأهداف المجتمع القبلي الذي ينتمي إليه، و هذا ما يشكل لنا روحا جماعية قبلية، وإحساسا مشتركا بالانتماء القبلي و بالبعد السلالي و العرقي.
وجدير بالذكر؛ أن المناطق التي لا تزال محافظة على تنظيمها القبلي التقليدي، هي التي تتوفر داخل "واحة افركلة" على أكبر درجة من انصهار الفرد ودوبانه في أهداف الجماعة القبلية التي ينتمي إليها. و نحيل على سبيل المثال لا الحصر إلى المناطق الواقعة في الجنوب و الجنوب الشرقي،" لتنجداد"؛ كاحندار" و" تغاش "و" تاغيا "و" آيت امحمد" ...الخ.وهذه كلها مناطق قروية محافظة ، يختفي فيها وجود الفرد؛ المذاب كلية في أهداف القبلية ومبادئها.ولا نستطيع على أي حال التمرد والزيغان عنها.اذ لا نعاين نماذج كثيرة من الأفراد في مثل هذه المناطق ، و الذين يستطيعون التمرد على العرف القبلي ومساءلة هذه القبيلة أو انتقادها أمام الجماعة، دلك لأن التطبيع الاجتماعي لأفراد هذه القبائل بواحة افركلة يتغنى بالبعد القبلي و يمجده، القبيلة بدورها في هذه المناطق تقبع الإرادة الفردية وتهدد وجود الفرد داخل القبيلة، ان هو تمرد وخرج عن نطاق المألوف.
يمكن القول اذن بأن الجماعات المكونة للقبيلة الواحدة ومن نفس العرق والسلالة تشكل بعبارة غوساتاف لوبون؛ كينونة واحدة وتصبح خاضعة لقانون " الوحدة العقلية للجماهير " ( أنظر الى سيكولوجيا الجماهير لغوستاف لوبون ).ومع أهمية هذا الجانب؛ إلا انه ليست كل جماعة قبيلة بواحة افركلة تخضع لنفس المبدأ؛ أي مبدأ الوحدة العقلية للجماهير القبلية، ذلك أن هناك بعضا من النماذج التي يمكن القول عنها بأنها قد تحولت بفعل الحراك الهجروي، وما ينتج عن ذلكم الحراك من تغيرات ثقافية واجتماعية وفكرية... هذا فضلا عن دور وسائل الاتصال التي غزت الكثير من مناطق هذا الموطن ..فكل ذلك قوض داخل كثير من مناطق "واحة افركلة" الوحدة الذهنية لكثير من الجماعات القبلية، و هذا ما يمكن ملامسته في مناطق؛ " تغدوين " و آيت عاصم" و "النيمرو " و " كاردميت" ..الخ. فهذه القبائل وغيرها ؛ أكثر تغيرا و أكثر قابلية لاستيعاب نمط الحياة الجديد. مقارنة مع مجموعة أخرى من القرى النائية عن المركز الحضري و التي تقل فيها وسائل الاتصال إلى حد انعدامها، و التي لا تستقطب هجرات من قبائل أخرى.
عندما نركز أهميتنا على البعد القبلي بواحة افركلة ( نموذج تنجداد )، فنحن لا نتجه مباشرة إلى الفرد ، بل نتجه صوب الجماعة القبلية ، على اعتبارها تشكل الشخصية القاعدية او الثقافة المرجعية التي يستمد منها الفرد أسس سلوكياته وقيمه و أنماط تفكيره ، فطموحات الفرد وتطلعاته و أهدافه (...) منعزلا، ليست هي نفسها وهو في كنف ثقافته المرجعية ( قبيلته )، وبالتالي فهذا ما يفسر الحضور الوازن للروح الجماعية في كل تجمع قبلي ، وفي كل احتفال ثقافي أو تظاهرة انتخابية او شيء من ذلك القبيل، داخل واحة افركلة. فالانطواء القبلي في أمور الزواج مثلا ( الزواج من نفس العرق ) لا يزال سمة المجتمع الفركلي في شموليته ، وهي إشكالية تنم عن استمرارية حضور ذلك الإحساس القوي بالانتماء الى إيديولوجيا الجد المشترك ، وما ينتج عن ذلك الإحساس من تعصبات عرقية وصراعات ثقافية رمزية الى آخره .
من خلال ما سلف يتضح لنا جليا ، بان التنشئة الاجتماعية بواحة افركلة لا تزال خاضعة وبقوة للبعد القبلي التقليدي، و لايديولوجيا القبيلة و الانتماء إلى جد مشترك ..وكل ذلك قد حدد طباع الإنسان الفركلي الذي يمكن اعتباره إنسانا مقهورا في عموميته، لا تزال القبيلة والعرف القبلي تحدد نمط سلوكياته ومعيارها السليم، و تقوده نحو أهدافها التي تسطرها الجماعة القبلية لكثير من أفراد مناطق هذا المعمور .
تعليقات
إرسال تعليق