التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقالات في التنشئة الاجتماعية

أولا/ في مفهوم التنشئة الاجتماعية

من بين أهم و أبرز الإشكاليات التي يواجهها الباحث في ميدان علم الاجتماع  ،وفي كل العلوم الإنسانية الأخرى  بصفة عامة ؛ إشكالية تحديد المفاهيم بدقة متناهية ، ولا شك أن مفهوم التنشئة الاجتماعية الذي بين أيدينا الآن، والذي يعتبر موضوعا أساسيا في الدراسات النفسية و الاجتماعية الحديثة ، ليس استثناء في هذا الصدد ، و لا يخرج عن هذه القاعدة الإشكالية ، إذ أنه مفهوم أقل ما يمكن القول عنه أنه لا يوجد له تعريف جامع مانع ، ما دام (المفهوم) يتحدد بمقتضى القصد الذي يبتغيه واضعه .
فالتنشئة الاجتماعية؛ وفق المنظور السيكو- اجتماعي، تدل على التربية الشاملة و التكوين المستمر، و تمكن الفرد من استدماج أنماط سلوكية و عادات و معايير ودلالات و قيم؛ عندما يقيم العلاقة بين فئة من الفاعلين من جهة،  ومجموعة من الأفعال من جهة أخرى.أما كلمة الاجتماعية؛ فتفيد إضفاء الصبغة الاجتماعية للتنشئة.[1]  لهذا يمكن النظر إلى التنشئة الاجتماعية كمشروع اجتماعي تهيمن عليه مجموعة من القيم و المعايير و الاتجاهات و المواقف، والهدف منه؛ خلق علاقات اجتماعية بين الأفراد لتسهيل دمجها داخل المجتمع .

للتنشئة الاجتماعية إذن دور جد بارز وهام، في إعداد مواطنين صالحين للكفاح مهيئين للنجاح داخل المجتمع، وقد دأب مجموعة من الباحثين على صياغة تعاريف متعددة لهذا الموضوع الذي يعتبر كما قلت سالفا، ذا أهمية بالغة للفرد و للمجتمع على حد سواء، لهذا نجد أن الشعوب المتقدمة و المتحضرة، تولي أهمية بالغة لمواضيع التنشئة الاجتماعية، لأنها السبيل إلى خلق أجيال من المواطنين المنسجمين و الواعين .. .ويمكننا في هذا الصدد و لمقاربة هذا الموضوع بصيغة أفضل ، أن نعتمد على مجموعة من التعاريف التي ارتأيت أنها ستشكل قيمة مضافة لاستيعاب هذا الموضوع أكثر، و كذا الإلمام بمختلف جوانبه الديجورية  بصورة أفضل .

يعرف "د.حامد زهران " عملية التنشئة الاجتماعية؛ بأنها عملية تعلم و تعليم و تربية، تقوم على التفاعل الاجتماعي، و تهدف إلى إكساب الفرد سلوكيات ومعايير معينة، واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنه من مسايرة جماعته و التوافق الاجتماعي معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية .
أما  " شيريف " فيرى بأنها : عملية تحويل الكائن البيولوجي، إلى كائن اجتماعي، أي أن الطفل البشري يتحول من كائن تغلب عليه الحاجات البيولوجية، إلى كائن تغلب عليه حاجات ودوافع من نوع جديد؛ ذات أصل اجتماعي [2].
       من خلال تعريف "شيريف" الأخير، يتضح لنا أن التنشئة الاجتماعية، ما هي في الحقيقة إلا وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي، لأنها بمثابة بذور تزرع في الأفراد لتمنعهم من العودة إلى حالة الطبيعة؛ حالة الفوضى و حرب الكل ضد الكل، بعبارة "طوماس هوبس"، هذا من جهة .

       من جهة أخرى؛ يقدم كل من "أرقيل بزوم" و "ستاثون ويلر" كما جاء في كتاب : "الإسلام وقضايا علم النفس الحديثة." لصاحبه نبيل محمد السمالوطي/ دار الشروق ، الطبعة الثالثة 1984 ص 187 تعريفا مختصرا للتنشئة الاجتماعية " فهي العملية التي يكتسب الأفراد بواسطتها المعرفة و المهارات و الإمكانيات التي تجعلهم أعضاء متكيفين مع بيئتهم ومجتمعهم [3].
       أما "جي روشي "؛ فيرى أن الإنسان محتاج وبشكل كبير إلى المجتمع؛ لاكتساب صفات لا يمكنه بدونها أن يمارس حياته ككائن اجتماعي. وبسبب هذا الاحتياج فان الفرد يخضع لما يسمى بمسلسل التنشئة الاجتماعية التي يعرفها بأنها : " السيرورة التي يكتسب الشخص الإنساني عن طريقها ويستدخل طوال حياته العناصر الاجتماعية الثقافية السائدة في محيطه و يدمجها في بناء شخصيته وذلك بتأثير من التجارب و العوامل الاجتماعية ذات الدلالة و المعنى، حيث ينبغي عليه أن يعيش .[4]
        ويرى سيكورد  Secordو باكمانBackman  أن التنشئة الاجتماعية عبارة عن عملية تفاعل، يتعدل عن طريقها سلوك الشخص، بحيث يتطابق مع توقعات أعضاء الجماعة التي ينتمي إليها، ومن خلال التنشئة الاجتماعية يتعلم الفرد العمليات الآتية [5]:
1)  عملية تكوين الأنا و الأنا الأعلى
2)  تعلم الأدوار الاجتماعية
تعلم ضبط السلوك


[1] د.علمي ادريسي (2008): مدخل الى علم النفس الاجتماعي،مطبعة أنفو-برانت-شاع القادسية-الليدو-فاس.
[2] د.أحمد محمد مبارك الكندري: علم النفس الأسري – بكلية التربية الأساسية –دولة الكويت، الطبعة الثانية:1992 ، مكتبة الفلاح للنشر و التوزيع
[3]  نفس المرجع السابق ( علم النفس الأسري )
[4] عبد الرحمان علمي ادريسي : مدخل إلى علم النفس الاجتماعي ، مطبعة أنفو – برانت ،12 شارع القادسية – الليندو - فاس
[5] خليل قطب أبو قرة: سيكولوجيا العدوان، مكتبة الشباب ، الهيئة العامة لقصور الثقافة، فبراير 1996

تعليقات

  1. merci bien hamel eljarra

    ردحذف
  2. إن عملية ضبط السلوك تتطلب مجهود مشترك من قبل الأسرة والمدرسة والمجتمع والدولة وهذا يزيد من فاعلية التنشئة الاجتماعية

    ردحذف
  3. التنشئة الاجتماعية تتولاها مجموعة من المؤسسات أولها الأسرة فجماعة الرفاق ، المدرسة،دور العبادة...الخ وهذا ما يطلق عليه ألتوسير بايديولوجيا الدولة و ذلك لدورها في ضبط السلوكات...شكرا على المشاركة

    ردحذف
  4. شكرا حامل الجرة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل

أهم نظريات التنشئة الاجتماعية

النظرية البنائية الوظيفية : ويمكن القول بأنها نظرية تستمد أسسها من النظرية الجشطالتية في علم النفس و التي تدور فكرتها المحورية حول تكامل الأجزاء في كلّ واحد، بتحليل العلاقة بين الأجزاء و الكل، بمعنى أن كل عنصر في المجموعة يساهم في تطور الكل. فأصحاب هذه النظرية يرون في الأفراد و الجماعات أو أي نظام أو نسق اجتماعي يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، و بالتالي فان كل جزء من أجزاء النسق يكون وظيفيا، تماما كجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء ولكل جزء وظيفته [1] . و تشير النظرية البنائية الوظيفية؛ إلى أن كل أسرة نسق فرعي للنسق الاجتماعي، تتفاعل عناصره للمحافظة على البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه. وتركز هذه النظرية على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة و الوحدات الاجتماعية الكبرى، من خلال الدور الذي تؤديه في عملية التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد في المجتمع . نظرية التحليل النفسي: ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الجهاز النفسي للفرد يتكون من الهو والأنا والأنا الأعلى [2] . ويمثل الهو الجانب اللاشعوري من شخصية الفرد، وبالتالي فهو يميل إلى تحقيق غرائزه الفطرية؛ من مأكل ومشرب وجنس...الخ. ل