يعتبركل من الخطابين : الاستشراقي و الأنتروبولوجي وجهان لعملة واحدة وهي : الايديولوجيا الغربية و سياستها الامبريالية لدول وشعوب العالم الثالث، لكن على الرغم من أهمية ذلكم الجانب إلا أن الخطابين قدما إرثا معرفيا مهما لا بنبغي التنكب عليه في أي حال من الأحوال ما دام يتسم بالغنى و التنوع، تماما كما الحال مع الأبحاث السوسيولوجية حول المغرب.. وما يهمنا في هذا الطرح، هو العلاقة بين الاستشراق و الانتروبولوجيا داخل الثقافة الإسلامية .. ترى كيف هي طبيعة هذه العلاقة بين الخطابين ؟
إن الثقافة الغربية كما يذهب الى دلك الدكتور" صلاح الجابري" في كتابه "" الاستشراق / قراءة نقدية ""، لم تكن ثقافة حوارية تجيز هوية الثقافات الأخرى، بل هي ثقافة تسلطية قمعية، تلغي الآخر و تمارس عليه دور الوصاية السلطوية ؛ ولهذا فقد تم توظيف الاستشراق "كوسيلة معلوماتية "حيث حاول الغرب إعادة بناء الشرق بعيدا عن واقعه ؛ لأن المجتمعات الإسلامية في نظرهم مجتمعات بدائية ، يقتضي الواجب الأخلاقي و الإنساني ، نقلها الى حالة المدنية و الحضارة .
أما بخصوص الانتروبولوجيا التي كانت مواضعها الأولى منصبة حول دراسة " الشعوب البدائية" ؛ فلم تعرف بادئ الأمر معنى الموضوعية و النزاعة في الأحكام ، فقد انحصر مجال عملها في خدمة المستعمر وتوجهاته، فقدمت الحقائق تارة وزيفتها تارة أخرى ، من هنا وجب القول و بلا أدنى تردد أو تحفظ؛ بأن الحديث عن العلاقة بين الخطاب الاستشراقي و الخطاب الانتروبولوجي، هو حديث عن تلك العلاقة الوطيدة و الوثيقة بين هذين الخطابين ، فقد شكلا رافدين أساسيين للسلطة الاستعمارية.. و يشتركان في موضوع واحد هو الشرق أو العالم الثالث ، لكن عموما يبقى الاستشراق كما دهب الى ذلك الأستاد "صلاح الجابري" دائما؛ هو الأسبق من الناحية التاريخية ومع أهمية هذا الجانب، إلا أن الأنتروبولوجيا زودت المستشرقين بمادة غنية لبناء تصوراتهم حول المجتمعات" البدائية أو المتخلفة ".أما بخصوص اهم المواضيع التي عني الخطاب الاستشراقي بالتطرق اليها فيمكن اجمالها في : نظام حياة الشرق و كذا ثقافته ، لغته ودينه وفنه ..و اذا ما تفحصنا و تأملنا هذه الموضوعات، نجد كذلك بأن الخطاب الانتروبولوجي قد عني و اهتم بها . غير ان ما يجب التأكيد عليه دائما و أبدا هو أن الحقلين على الرغم من زخم الدراسات و الأبحاث التي قدماها؛ إلا أنهما لا ينفصلان عن الايديولوجية التي تشكل ذهنية الباحث الغربي، .ففي الانتروبولوجيا الكلاسيكية، كانت المرجعية المعيارية في الأحكام هي المركزية الاثنية- الغربية و بالمثل في الإستشراق..وهذا ما يدل على أن العلاقة بين الحقلين نشأت وطيدة ووثيقة ، لكنها لم تكبر على هذا المنوال ، و لم تمضي على هذا السرداب . لكن كيف ذلك ؟
إذا كانت الأنروبولوجيا، قد انتهت إلى وضع علمي يسعى إلى التخلص مما علق بها من اتهامات بمساندة الامبريالية الغربية، فالأمر نفسه حصل للاستشراق، لكن وبما ان الانتروبولوجيا هي بحث تجريبي ميداني ، فانه يمكن تصور دخولها ميدان البحث العلمي- الموضوعي، في دراسة أصول الشعوب و ثقافتها " بحياد وتجرد "، وهذا المستوى يصعب تصوره بالنسبة للاستشراق، لأنه مرتبط بالايديولوجيا الغربية ارتباطا وثيقا، وعلى الرغم من احتوائه كما أكد" الجابري صلاح"؛ على تحليلات علمية ومواقف موضوعية نزيهة في عدة جوانب؛ إلا انه يبقى مرتبطا بإيديولوجية.
اذا كان من الممكن تصور خروج الانتروبولوجيا من شراك الايدولوجيا، فمن غير الممكن تصور خروج الاستشراقمن هذا الشراك ، و كيف لا و هو الخطاب الذي اتخذ بادىء الأمر طابعا تبشيريا ؛ أي محاولة نشر النصرانية و المسيحية و في المقابل تشويه صورة الاسلام.. لكن سرعان ما تغير هذا التوجه حينما اكتشف دهانقة السياسة و كبار الرأسمالييين ، بأن المسيحية لا مردود مربح من ورائها، بل على العكس هي مصدر فقر وإزعاج وانعزال عن هذا العالم- الغني بموارده ( أي العالم الاسلامي ).وهذه الفكرة تؤكد حقيقة الخطاب الاستشراقي وتكشف عن شوائبه. .
خلاصة: وجب القول بان الحقلين، شكلا بالفعل وجهين لعملة واحدة؛ هي السياسة الغربية التوسعية و الامبريالية، لكن هذين الحقلين تحولا بفعل تغير الأهداف و المطامح الى حقلين انتهيا بغير ما بدآه ، فالانتروبولوجيا انتهت الى الموضوعية العلمية. لكن الخطاب الاستشراقي لم يتمكن بما فيه الكفاية من التخلص بعد من شوائبه .
شكرا لكم على مدونتكم الجميلة
ردحذفأتمنى لكم الفائدة و الاستفادة أخي في الله. و شكرا لك على الزيارة
ردحذف