التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سلسلة خواطر وتأملات - جدال تافه ونمط عقلية أتفه

saidi.samir89@gmail.com
بدأ الجدال بين فتاة عشرينية (جنوبية الأصول) حول موضوع الانسان الأسود في البلاد، وبين امرأة ثلاثينية تزعم أنها مدرسة لمادة التاريخ في إحدى الثانويات العامة بالعاصمة الرباط، وكان الحوار في البداية مجرد مناوشات بين زملاء فصل دراسي جمعهم حب تعلم إحدى اللغات الأجنبية.
لم يكن الواحي الأسمر الذي يحضر الدرس لأول مرة إلا شابا جديدا في فصل دراسي أغلبه مكون من طالبات وموظفات عاشقات لتعلم اللغات. تقدم إلى الفصل بخطى مدروسة وانتقى مقعده في زاوية معلومة في فضاء الفصل خصوصا وأنه طالب جديد سيلفت الأنظار...
لم تكن اللحظة التي دخل فيها الفصل سانحة ليقدم نفسه إلى عموم الطلبة ويتعرف عليهم واحدا تلو الآخر. لأن النقاش بلغ مرحلة "الحسم" فبدا له من غير المقبول مقاطعته. وهكذا جلس مباشرة على كرسيه واكتفى بوضع إحدى يديه على وجهه والثانية فوق الطاولة، متأملا الوجوه الشاحبة ومتتبعا بشغف شديد جدال السيدتين حول السود المغاربة.
الفتاة العشرينية:(منفعلة) أولا يجب أن تعلمي أن مدينة ورزازات التي تتحدثين عنها لا يسكنها السود فقط كما تعتقدين، بل هي خليط من السود والبيض ويجب أن تعلمي أن السود في المركز الحضري لا يستوطنون إلا ثلاثة شوارع فقط بينما ينتشر البيض في كل المدينة، لهذا فورزازات بيضاء وليست سوداء (...)
استغرب الواحي الأسمر من طريقة الفتاة في الرد، ومن حرصها المتزايد بإثبات بياض ورزازات، وكأن سوادها سيحط من قيمتها.
وكان أكثر ما أثاره؛ تدخلات أستاذة التاريخ التي يبدو أنها لا تعرف عن السود المغاربة أكثر من جيش عبيد البخاري وتجارة الرقيق، وهذا ما جعلها تقع في أخطاء فادحة..؛ خصوصا عندما انتقلت للحديث عن الزواج بين السود والبيض.
طال الجدال وانتبهت السيدتين لوجود شاب أسمر بينهن أخيرا، فبدأتا تدخلانه شيئا فشيئا في لب الموضوع وبطريقة ماكرة، خصوصا وأن هذا الشخص الأسود بإمكانه أن يضيء عتمة الموضوع أكثر فيثبت الأفكار الصائبة في الجدال من غيرها.
أستاذة التاريخ: (ملتفتة إلى الأسمر الواحي) لقد اخبرتني إحدى صديقاتي بأن السود في (الجنوب) يسافرون إلى مدن الشمال من أجل الزواج من شقراوات تلك المناطق (...)
الواحي الأسمر: (بهدوء) أنت تتحدثين عن نسبة قليلة جدا لأنه ليس كل السود معجبون بالنساء البيض!
أستاذة التاريخ: (شبه مصدومة من الرد) ماذا ؟
الواحي الأسمر: (مضيفا) أولا يجب عليك أن تعلمي أن الجنوب فيه بيض وسود، عرب وأمازيغ، فيه زعرة وبياض، سمرة وسواد.. كل شيء موجود في هذه المناطق (...) تنوع اثني وغنى ثقافي لا يضاهيه غنى، ثم اختلافات كبيرة على مستوى الاذواق ومعايير الجمال...
ثم إن الفتيات البيض في الشمال هن من يبحثن عن الشباب السّمر لمزاياهم العديدة على المستوى الأخلاقي وعلى مستوى القوة الجنسية وأن تعلمين هذا.
تسكت أستاذة التاريخ لمعرفتها أن لهجة الواحي شديدة  وصارمة نوعا ما..
تتدخل من جديد الفتاة العشرينية: هل انت من زاكورة ؟
الواحي الأسمر: لا، أنا من الرشيدية..
أستاذة التاريخ: محاولة التغطية على كل ما فات بالقول: سراحة سكان الرشيدية (كُودْ) (مشيرة بيدها)؛ وكانت تقصد بذلك أنهم مستقيمون ولا يعرفون أي مراوغات...فهم واضحون وجديون..
الواحي الأسمر: (متهكما) ماذا عنك ؟..ألست هكذا (كود).
أستاذة التاريخ: ضاحكة بشكل هستيري؛ أحيانا نكون ملزمين على التأقلم مع طبيعة الحياة داخل المدينة، المكان الذي نعيش فيه لا يحمي الانسان (المستقيم)
الواحي الأسمر: لا أوافقك الرأي، فلا خوف على الإنسان المستقيم، إنما الخوف على الانسان الساذج، أو تريدين أن تقولي بأن سكان مناطق الجنوب سذّج ؟
أستاذة التاريخ: في الواقع شيئا من هذا (ساخرة)
الواحي الأسمر: الفرق بين الجنوب والشمال في نظري ليس فرقا في درجة التحضر، لأننا جميعا مغاربة ونحن بهويتنا نشكل مجتمعا متخلفا ولا يستثنى بذلك أحد، بيد أن الفرق بيننا وبينكم أنكم تغطون تخلفكم بالملابس والمظاهر، ونحن نترك الأمور كما هي عليه لتظهر وتنكشف للعيان.
تسكت الاستاذة ويسكت الجميع ويدخل استاذ اللغة الأجنبية وينهمك الجميع بالدرس.

لم يكتب للنقاش أن يمتد أطول مما كان، لكن تداعياته بدت واضحة فيما بعد، خصوصا وأن الجميع أصبح حذرا من ألفاظ ذلك الأسمر ذي الردود "العنيفة" فلا سبيل للمزحة والدعابة غذا ما تعلق الأمر بمساس بالهوية الجغرافية أو العرقية.. لا مزاح ولا دعابة، وعلى الجميع أن يعرف هذا.. فكرامة الإنسان أغلى من كل شيء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل

أهم نظريات التنشئة الاجتماعية

النظرية البنائية الوظيفية : ويمكن القول بأنها نظرية تستمد أسسها من النظرية الجشطالتية في علم النفس و التي تدور فكرتها المحورية حول تكامل الأجزاء في كلّ واحد، بتحليل العلاقة بين الأجزاء و الكل، بمعنى أن كل عنصر في المجموعة يساهم في تطور الكل. فأصحاب هذه النظرية يرون في الأفراد و الجماعات أو أي نظام أو نسق اجتماعي يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، و بالتالي فان كل جزء من أجزاء النسق يكون وظيفيا، تماما كجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء ولكل جزء وظيفته [1] . و تشير النظرية البنائية الوظيفية؛ إلى أن كل أسرة نسق فرعي للنسق الاجتماعي، تتفاعل عناصره للمحافظة على البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه. وتركز هذه النظرية على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة و الوحدات الاجتماعية الكبرى، من خلال الدور الذي تؤديه في عملية التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد في المجتمع . نظرية التحليل النفسي: ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الجهاز النفسي للفرد يتكون من الهو والأنا والأنا الأعلى [2] . ويمثل الهو الجانب اللاشعوري من شخصية الفرد، وبالتالي فهو يميل إلى تحقيق غرائزه الفطرية؛ من مأكل ومشرب وجنس...الخ. ل