التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قراءة في الفصل الثالث من كتاب *باراديغم جديد لفهم عالم اليوم * لألان تورين




تنظيم العرض:

·      التعريف بصاحب الكتاب
·      فكرة محورية حول الكتاب
·      تقديم عام حول الفصل موضوع الاشتغال

محاور العرض :

·       انقلاب الوضع: نساء-رجال.
·       المساواة و الاختلاف
·       الجنسانية و النوع
·       الذات الفاعلة – المرأة
·       دور الرجال
·       ما بعد النسوية
·       خلاصات وملاحظات 

التعريف بصاحب الكتاب
من هو ألان تورين ؟
ألان تورين عالم اجتماع فرنسي من مواليد 1925 ، كان باحثا في المجلس الوطني للبحوث الفرنسية حتى عام 1958. في عام 1956 أسس مركز دراسات علم اجتماع العمل في جامعة تشيلي. في عام 1960 أصبح باحث «senior» في ايكول ايتوديس في العلوم École  des Hautes Études en Sciences  في باريس ، اشتهر بتطويره مفهوم مجتمع ما بعد الصناعي، اهتم  بدراسة الحركات الاجتماعية، وكتب الكثير في هذا المجال. يحظى تورين بشهرة واسعة في أمريكا اللاتينية وفي أوروبا، في عام 1998 حصل على جائزة أمالفي Amalfi الأوروبية لعلم الاجتماع والعلوم الاجتماعية، و في عام 2004 تلقى درجة الدكتوراة الفخرية من جامعة فالبارايسو في تشيلي. و في 2006 ، تلقى درجة الدكتوراة الفخرية من الجامعة الوطنية في سانت مارتين، و في ديسمبر 2006 من جامعة كولومبيا الوطنية، وفي2008 أيضا درجة دكتوراه فخرية من جامعة مايور دي سان ماركوس في ليما.
فكرة عن كتاب:   * باراديغم جديد لفهم عالم اليوم *
يتكون الكتاب من قسمين :
القسم الأول: يتضمن خمسة فصول ويحمل عنوانا / عندما كنا نتكلم عن دواتنا بمصطلحات اجتماعية.
أما القسم الثاني فيتضمن ثلاثة فصول، ويحمل عنوانا: الآن و قد بتنا نتكلم عن دواتنا بمصطلحات ثقافية.
ولا شك أن الباراديغم  أو * النموذج الإرشادي * هو المفهوم المركزي  في هذا الطرح ، فإذا كان تاريخ العلوم قد عرف نماذج إرشادية متعددة ؛ بمعنى الانتقال من باراديغم لآخر فان ألان تورين يؤكد في بداية هذا الكتاب بأن الباحثين يعتمدون مصطلحات سياسية من قبيل ؛ الفوضى ، النظام والسلام ، الحرب ، السلطة ، الدولة ، الثورة ...في وصف وتحليل الواقع الاجتماعي . لكن عندما تحررت الثورة الصناعية و الرأسمالية في قبضة السلطة السياسية تم تعويض تلك المصطلحات و المفاهيم بأخرى اقتصادية واجتماعية ؛ مثل الطبقات الاجتماعية ، الثورة البورجوازية ، و البروليتاريا و النقابات و الإضراب و الحراك السياسي و غيرها من المقولات التي أسست حسب ألان تورين لباراديغم اقتصادي- اجتماعي .
أما اليوم وبعد انتصار الاقتصاد على السياسة ، أصبحت المقولات الاجتماعية غامضة ، لأنها تهمش قسما كبيرا من تجربتنا المعيشة الشيء الذي دفع إلى البحث عن باراديغم جديد ، خاصة و أن القضايا الثقافية بلغت حدا يفرض على الفكر الاجتماعي الانتظام حولها .
إن الباراديغم الثقافي هو الكفيل بنقلنا إلى مرحلة جديدة  يمكننا من خلالها وضع تصورات جديدة حول المشهد العالمي المعاصر .
يدافع إذن هذا الكتاب على فكرة مفادها ؛ أنه علينا أن نخرج  من العصر الذي كان يتم فيه تفسير كل شيء و التعبير عنه بمصطلحات اجتماعية ، وأن نجد المصطلحات و المفاهيم الملائمة لصياغة هذا الباراديغم الجديد الذي نلمس جدته في كل جوانب الحياة الجماعية و الشخصية .
تقديم الفصل المشتغل عليه :
تم الاشتغال على الفصل الثالث من هذا الكتاب و المعنون ب: * مجتمع النساء *، و يشمل هذا الفصل على عناوين فرعية سنعرضها وإياكم على هذا النحو وطبق الأصل:
v   انقلاب الوضع
v   المساواة والاختلاف
v   الجنسانية و النوع
v   الذات الفاعلة – المرأة
v   دور الرجال
v   ما بعد النسوية
v   ثم خلاصة وتركيب 

قبل الشروع في عرض أفكار هذا العرض ارتأينا انه من الضروري لفت الانتباه أولا إلى أهم المفاهيم التي جاء بها ألان تورين و التي اعتبرها العمود الفقري لباراديغمه الجديد وهذان المفهومان هما : الذات الفاعلة  ومفهوم الحقوق الثقافية.
فإذا كانت الذات الفاعلة هي تلك الذات التي تنفلت من كل سلطة تقيدها وتمنعها من أن تكون ذاتها ، فان ألان تورين قد قرر منذ البداية بأن الذات الفاعلة هي على صلة وثيقة بمفهوم الحقوق ، لأن تاريخ هذه الذات  ليس إلا تاريخا للمطالبة بحقوق أكثر عينية تحمي خصوصيات ثقافية لم تعد تتجدد بالعمل الجماعي الطوعي و المؤسسات المولدة للانتماء إلى الواجب. لهذا فالباراديغم الجديد يقتضي الانتقال من الحقوق الأكثر تجريدا إلى الحقوق الأكثر عينية ، و النتيجة أن هذا الانتقال سيقودنا حتما إلى واقع الذات الفاعلة. من هذا المنطلق يدعوا ألان تورين الفاعلين السياسيين وخصوصا المنتمين إلى الأحزاب السياسية إلى عدم الفصل بين الحقوق الثقافية من جهة و الحقوق السياسية و الاجتماعية من جهة أخرى .
فالذات الفاعلة لا يمكن أن تؤكد ذاتها خارج ما هو اجتماعي وثقافي .
1-               انقلاب الوضع:
ينطلق ألان تورين في تحليله لهذا الشق من مفهوم قلنا عنه سالفا بأنه مركزي في تحليلاته ، انه مفهوم  * الذات الفاعلة * .
فإذا كان المجتمع الحديث في الغرب قد نشأ بفضل هذه الذات الفاعلة – المتحررة من كل سلطة غيبية في ذلكم الوقت فان مشكلة هذه الذات الفاعلة أنها تركزت في نخبة معينة من الرجال الذين شكلوا آنئذ القطب القيادي المنتج للكثير من الطاقة التي فجرها في الحروب و الغزوات والثورات ، في حين ظل قطب النساء غائبا بل مغيبا عن القطب القيادي بفعل الهيمنة الذكورية و تبعية المرأة و دونيتها في نفس الآن.
ويقدم ألان تورين في هذا الشق أهم الاختلافات العميقة التي تميز الثقافة المعاصرة عن سالفتها، فإذا كانت الذات الفاعلة في هذه الأخيرة ( الثقافة السالفة ) تتجه نحو الخارج أي نحو عالم يسهل فيه أن تدافع عن نفسها بالعصيان و الثورة أكثر منها بعملية و عي معقدة ، فان الذات الفاعلة في المجتمع المعاصر على العكس من ذلكم تماما ؛ تتجه نحو ذاتها لتؤكدها بشكل واع.وإذا كانت إيديولوجية الماضي تسرف حسب ألان تورين في الإعلاء من شأن الرجل بالمقابل الحط من قدر المرأة فان هنالك انقلابا حقيقيا على هذا المبدأ ( لهذا عنون هذا الشق بانقلاب الوضع ) حيث تحولت الفئات الخاضعة من عامة الشعب ؛ عمال، مستعمرين، ..ونساء، إلى حركات اجتماعية كسرت قيود التبعية التي تجعل من هؤلاء جميعا عبيدا في قبضة أسياد.
فالحداثة فقدت الكثير من طاقتها في نهاية فترة النزاعات التي فجرتها هذه الحركات الاجتماعية. وانحلت في عالم الاستهلاك و اللذة العاجز عن توليد أفكار خلاقة. و كأن ألان تورين هنا ينتقد الباراديغمات السابقة التي عجزت عن الجمع و التوليف بين عناصر تم فصلها . وفي هذا النقد تقديم للبديل الذي يراه قادرا على إعادة اللحمة وبث الحياة في غرب مشتت وموزع في رقعة واسعة من الكرة الأرضية ، وهذا الجديد هو نفسه النموذج الإرشادي الثقافي ( الباراديغم) فهو النموذج الناجع لفهم عالم اليوم و يقول ألان تورين في هذا الصدد * إن من يتولى إبداع الجديد وإدارته هن أولئك اللواتي كن عنوانا للتبعية واللواتي يعتزمن الآن تخطي التعارض القائم بين الرجال و النساء أكثر مما يطمحن إلى إبدال الهيمنة الذكورية بهيمنة أنثوية *.
فالمصطلحات و المفاهيم التي تناولت وضع المرأة في نموذج الحداثة القديم  كانت  سلبية في نظر ألان تورين تصب كلها في خانة التبعية و تلقي العنف.ولو بقيت هذه المفاهيم رائجة في اليوم لاستحال حدوث هذا الانقلاب.
لقد وجدت النساء في ظل مجتمع الاستهلاك فرصة سانحة للتحرر من قيود النموذج القديم، ورغم أنهن قد تعرضن لضغط أشد من سابقه عبر تحويلهن إلى سلع جنسية تشترى وتباع أو يتم تبادلها؛ فان اقتصاد العرض و الطلب غالبا ما يرافقه بناء مساحة خاصة ومنفتحة، خصوصا بعد ما توصلت النساء بمزاولتهن للعمل المأجور ، إلى تحقيق استقلالية اقتصادية و عامة.
ومهما يكن من أمر فان ألان تورين في هذا الشق قد ركز على الحركات النسوية واعترف بنتائجهن الايجابية الشيء الذي أعطى لهذه الحركة قوة متنامية خولتها أن تفرض إصلاحات مهمة في  مختلف نواحي الحياة، وجدير بالذكر  أن النساء بتن يملكن الوسائل  التي تسمح لهن بتدبير الكثير من شؤون حياتهن ولاسيما جسدهن الذي أصبح يعمل حسب ألان تورين لصالحهن في مجتمع اليوم، بعد أن كان ضدهن في المجتمع القديم، (وهذا ما سنراه فيما بعد) ورغم أهمية هذا الجانب إلا أن النساء الواعيات في نظره هن تلك اللواتي فطن بضرورة السعي إلى الاصطلاح بدور التغيير الثقافي الأساسي، واللواتي ساهمن بنصيب في الانتقال من ثقافة تتجه نحو الخارج إلى أخرى تتجه نحو الباطن ونحو الوعي الذاتي وهذه التجربة تعيشها النساء بقوة تفوق ما هي لدى الرجال، لهذا اعتبر ألان تورين النساء ذات وضع مركزي ومحوري في مجتمع الان ؛فإذا كانت الأعضاء التناسلية على سبيل المثال قد عملت ضد المرأة فإنها اليوم انقلبت لمصلحة و لصالح النساء بعد كانت تشكل عائقا للنهوض بدور المرأة اجتماعيا و اقتصاديا ..و ذلك بفضل تطور التقنيات الطبية و التكنولوجية...الخ.
ومن بين المفاهيم التي اعتمد عليها ألان تورين في تحليلاته و الدفاع عن أطروحاته ؛ * مفهوم الجنسانية* فمما لا شك فيه أن العلاقة بالجسد تشغل  في مجتمع الآن موقعا لا يقل مركزية عما كان يشغله العمل في المجتمع الصناعي، و قد لاحظ *ألان تورين* بأن الجنسانية حاضرة وبقوة في كل جانب من جوانب الشخصية وتسهم بنسبة عالية في عملية بنائنا دواتنا بدواتنا. و ما الجنسانية في هذا السياق إلا بناء الشخصية من خلال علاقات عاطفية ذات طابع جنسي، وأشكال متنوعة من اللذة الغرامية. وقد أعاد ألان تورين موضعة نشاط الحركة النسوية (الحركة النسوية الراديكالية الساعية إلى إبطال كل إحالة إلى النوع الجنسي و الساعية كذلك لإحلال المساواة بشكل كامل بين الرجال و النساء)واكتشف بان أقوى المطالبات النسوية على الإطلاق تكمن في تلك التي تنادي للنساء بحق اتخاذ القرار الحر بأن يكون لهن طفل أو لا ** طفل إذا شئت ومتى شئت ** فالنساء في هذه الحالة قد قلبن علاقتهن  بالرجال الذي كان فيما مضى هو الفاعل * يكون في أحشائها طفلا * أو * هي تعطيه طفلا * فمجال الجنسانية هو الذي مكن النساء من الانتظام في حركة اجتماعية بالمعنى الحقيقي للكلمة وإحراز تقدم حقق لهن من الأهداف ما لم  يتسن لهن بلوغه بسلوكهن.
المساواة و الاختلاف
يستحيل في هذا السياق الإحاطة بالنقاش الذي  أطلقه النسويون حول تساوي النساء بالرجال وما يميزهن عنهم من اختلافات ، وعمل ألان تورين في هذا الشق على تجاوز النظرة الضيقة السيكولوجية البيولوجية أساسا التي تقيس الاختلاف بين الرجال والنساء مشيرا إلى أن النموذج الثقافي، هو معيار القياس والتحليل و يقول بهذا الصدد * ما أسعى إليه في هذا الفصل ، تحديدا هو إظهار انقلاب النموذج الثقافي الذي رأى النساء يبلغن إلى الدور المركزي، مما لا يعني أن النساء أصبحن متفوقات مهنيا وثقافيا على الرجال، بل إنهن  يشغلن مكانة محورية في الحضارة الجديدة...*
واختصارا فان التحليل الذي يجب إجراؤه حسب ألان تورين هنا، ينبغي ألا يكون بلغة سيكولوجية.
بتعبير آخر يجب تعيين المجموعة التي يتدخل فيها الفاعلون وإبراز أهمية الموقع الذي يشغلونه، بدلا من إجراء عملية قياس للاختلافات و المستوى الخاص بكل منهم، مما يوضح الأسباب التي من أجلها تعتبر النساء أنفسهن اليوم متفوقات على الرجال، وإنهن لكذلك فعلا...يضيف ألان تورين*.
الجنسانية و النوع
قلنا في المحور السابق بان الجنسانية هي بناء الشخصية من خلال علاقات عاطفية ذات طابع جنسي و أشكال متنوعة من اللذة الغرامية .
أما النوع الجنسي وكما هو متعارف عليه فهو بناء اجتماعي للحياة الجنسية، هذا التعريف في نظر الان تورين يكاد يكون عديم الأهمية اليوم، بل إن الحركة النسوية و على رأسهن * جوديث بتلر* قد شجبن فكرة النوع الجنسي، وعبرن عن سعيهن إلى رد الاعتبار إلى جميع أشكال الحياة الجنسية المتمثلة في أقليات .
وفكرة النوع الجنسي في نظرهن تستدعي التحطيم و التفكيك ، ما دامت المقولات المستعملة لوصف النساء هي أدوات فرضها على هؤلاء النساء احتكار علاقة التغاير الجنسي التي تدين بسموها أيضا، إلى موقع الرجال المحوري في وظيفة الانسال و النسب الاجتماعية.
إن الفكر النسوي الذي رفعت رايته سحاقيات راديكاليات من أمريكا هن الآن في عداد المثقفات الأشد تأثيرا في بلادهن وخارجها لهذا فألان تورين ما فتئ يكرر القول *بأن النساء هن من نقلن مجتمعنا من رؤية غازية تسلطية للعالم إلى رؤية خلاقة للذات، تلد توجهات حرة جديدة مما يتطابق مع الانقلاب الذي قاد النموذج الثقافي الأوروبي الكلاسيكي إلى التطور نحو الوضع الذي أصوره في هذا الكتاب ...*
إن الجنسانية تحتل مكانة مركزية في تكوين الذات الفاعلة، وهي تحيل إلى تجربة فردية والى توظيف الشخصية في هذه التجربة، والتي هي وعي للذات موجه نحو العلاقة بالحياة والموت ، ويؤكد ألان تورين على ضرورة الإشارة إلى أن الجنسانية هي بناء السلوك الجنسي، مما يدعوا إلى الإقرار بوجود أنواع من السلوك (الجنسي) لا تساهم في بناء الجنسانية المعقدة.
وهذا الجنسي المنفصل عن الجنسانية هو كبناء ثقافي وهو ما نسميه *الشبق* ، لكن إذا كان منفصلا تمام عن الجنسانية فانه ينحدر إلى مستوى البورنوغرافيا الإباحية، ولكن يجب أن ندرك أن ثقافتنا الجنسية لا يمكن أن تكون مكونة فقط من نماذج اجتماعية و ثقافية، وأن الشبق شرط من شروط الجنسانية لأن مآله إلى ما يجب بناؤه تحديدا ، ويؤكد ألان تورين على أهمية موضوع البغاء الذي هو محط إدانات متكررة و جدل لا ينتهي ، لأنه من الضروري الاحتجاج أيضا ضد القوادين،على استغلالهم للنساء المرغمات على ترك بلادهن لدوافع اقتصادية وتسليم أجسادهن لرجال هم أسرى حاجة جنسية محبطة تنزع نحو الإشباع ، لكن الكثير من النساء اللواتي يمارسن البغاء، وكذلك الذين يلجأون إليه،  يتقاسمون الفقر لكنهم يساهمون في اغناء القوادين ، وهنا يتساءل ألان تورين حول كون مجرد التلفظ بالبغاء يثير الاستنكار ، فالى من يجب توجيه هذا الاستنكار للبغاء أم للشقاء ؟
وهل النساء اللواتي يشتغلن في تقديم خدمات التدليك الجنسي للرجال يصنفن ضمن البغايا كاللواتي يستسلمن إلى أي كان؟..
 ويحذر ألان تورين من إدانات لبغاء الفقراء وإخضاعه للرقابة والعقاب دون التعرض لبغاء الأغنياء، فلما الدفاع عن عاملات الجنس وإدانة القوادين وإنشاء تنظيم اجتماعي تتابعه الدولة عن كثب لجني الضرائب،  ويقر ألان تورين بضرورة الاعتراف بان البغاء يمنع النساء اللواتي يسقطن فيه من أن تكون لهن حياة حرة .
لكن بعض الإدانات لا تهدف إلى تحرير النساء بقدر ما هي مضاعفة لرقابة المجتمع على رجال مازالوا يريدون الهيمنة. كما أن بعض حملات النسويات ضد البورنوغرافيا والبغاء تهدف إلى توسيع الرقابة الأخلاقية، على النساء و الرجال أيضا ، كما أن البغاء له مستوى متدني من التبادل الوجداني لأن الغاية منه؛ هو الاتجار بالجسد مما يتنافى ومع البناء الذات كذات فاعلة ، والرجال الفقراء الذين سيلجئون إلى البغايا الفقيرات يعيشون كذلك بطريقة أقل دناءة من هؤلاء البغايا . لكن البغاء الأنيق الذي كان عيشه أسهل لأنه ألذ و أمتع يمكن أن يتسع إلى بعض الكلمات و الطلبات العاطفية.
 فإذا كانت البرازيل أوسع البلدان استطلاعا لموضوع اختلاط الهويات الجنسية، كما كانت الولايات المتحدة الأمريكية على حق بمساعدتها المخنثين الذين يعيشون منبوذين ، فان نبذ المخنثين بفرنسا يكاد لا يترك لهم الا البغاء مخرجا، ومن الملح دعم جبهة الدفاع *ال جي بي تي * عن المثليين و الثنائيين الجنسيين ، وهكذا يتم فرض معايير جديدة غير صحية تضاعف من وطأة النبذ و يجعلهم في وضعية الحرمان العاطفي الوجداني ،وكيف لا نفهم وضع النساء اللواتي شكلن نقابات عاملات الجنس المنددة بالتدابير القمعية ويردن حدا أدنى من الحماية التي تقيهن من خطر السلطات و الزبائن أيضا، ان التكامل العاطفي في نظر ألان تورين هو أكثر ما تبحث عنه النساء بعدما طال ترديهن ودونيتهن ، لكن هذا التصور يتعارض مع تصور الرجال الذي يقوم على الفصل بين الأدوار وتنشأ معه عدة عوالم أخرى.
إن انقلاب الصور و التوقعات جعل كل الآراء حول جنسانية المرأة تتركز في قدرتها على الجمع بين عدة أدوار مهما تكن متباينة ، أما الرجال فينتظر منهم أقل من ذلك في المكاملة بين الحياة العامة الحياة الخاصة.
إن النتيجة التي يقود إليها هذا التحليل هو أن تصرفات الفرد المعرفية و الوظيفية والجنسية هي نفسها على الدوام لأن معظم علاقات التغاير و التمثل الجنسيين لا يمكنها إن تضع موضع التواصل و التكامل الا جزءا محدودا من الحياة النفسية، لكل من الشريكين ، ومهما يكن فان مسافة كبرى تباعد بين فكرة * كيير * الذي تفيد تفتت الشخصية ولاسيما في المجال الجنسي ، أما فكرة الذات الفاعلة التي ترغب في تخطي هذا التفتت بقوة العلاقات الغرامية ، حيث يتخد القرب و الرغبة الجنسية و العلاقة البين ذاتية، تكتسب كلها مجتمعة من القوة ما يخولها التقريب بين مكونات الشخصيتين، حسب ألان تورين .
ان العنصر المشترك بين الفكرتين المذكورتين: هو رفض رؤية متكاملة إلى الشخصية في موازاة أخرى متكاملة ، و لكي نتعمق في ذلك يمكن القول؛ إن كل فرد يبني نجاحات جنسه / نوعه الجنسي وإخفاقاته، مما يعني أن العنصر المحوري هو الفرد لا النوع الجنسي ، و أن هذا الأخير ليس فئة عامة تنضوي الأخريات تحت لوائها، بل أحد عوامل النشاط الذي يمارسه الفرد على ذاته، ويشير ألان تورين أنه ليس للعامل الذي نسميه نوعا الا قيمتين : رجال و نساء، وأن هناك عوامل أخرى أو متغيرات أخرى تدخل في بناء الذات الفاعلة بناء تتفاوت فيه نسبة التعقد و النجاح و اختصارا فان النوع الجنسي بكونه متغيرة قليلة المرونة، لا يشكل تحديدا أساسيا للفاعل، وما القضية هنا قضية رجال / نساء ، بل قضية ذات فاعلة تبني نفسها ، انطلاقا من جنسانية مجزأة إلى علاقات مع الآخرين، و أحيانا على سبيل الاتفاق ازدواجية الرجل و المرأة، لهذا يجب علينا أن نتخلص من كل سيكولوجية مقارنة ، يجري تطبيقها على الرجل و المرأة مما لا يشكل بعدها صعوبة خاصة بعدما أمدنا فرويد بأداة تحليل أكثر تطورا حول تكون الشخصية في الطفولة ، مع ذلك وجب الاختيار بين نهج تفكيك الحركة النسوية، ومسعى ألان تورين المتمثل في الطفرات الثقافية التي خولت للنساء أن يمارسن دورا محوريا ، وهذا الاختيار يعني في هذا المجال بالخصوص وفي مجالات أخرى ضرورة تخطي ما تجري مكابدته و القبول بفكرة مؤداها أن الفاعلات الأساسيات لسن مجرد ضحايا. لدي يشدد ألان تورين في معرض التوجه المعجب بأعمال * جوديت بتلر*  النقدية وكثيرات من رائدات النسويات الراديكاليات ، على انقلاب الثقافة بعد إنهاك النموذج الكلاسيكي الارادوي، ودور النساء المركزي في هذه الطفرة الثقافية.
 لا علاقة لتعهد المرأة قضية الجنسانية لإيجاد محظورات جديدة أو تحطيمها، لكن قضية هؤلاء النساء تتمثل في رفض الخلط بين أدوارها في الإنجاب والحياة العائلية من جهة ، والجنسانية في حد ذاتها.
 هناك مطالب أخرى للنساء والمتمثلة في الاعتراف بحقهن في اللذة و بجنسانيتهن الخاصة، لكن الدفاع عن يكمن أيضا بالفكرة القائلة ، إن النساء يتكلمن باسم تحرير الجنسانية وليس فقط تحرير جنسانيتهن .. وعلى هذا الأساس تم توجيه انتقادات كثيرة إلى * مونيك  ويتينغ* بسبب مواقفها المتطرفة فقد كانت ترفض أن تسمى امرأة ولا ترغب أن تسمى بذلك الا في صفة سحاقية ، و أن التخلص من الهيمنة الذكورية لن يتم بالامتناع عن تسمية نفسها امرأة ويمكن القول أن النساء يعملن على تحويل الجنسانية وتحرير المجتمع من الدور المتدني الذي يؤديه في علاقات التغاير الجنسي ، الا أنه من حقنا كما يقول ألان تورين التشكيك في التحرير المناداة به لأن الكثير من الكليبات التلفزيونية الحافلة بالجنسانية، ومعظمها من أصل أمريكي يشير إلى أن الرجل لا يزال يهيمن على نساء خاضعات وكثيرات من النساء من يعتقدن أن تواجه الرجال و النساء هو الذي يدخل هذا البعد الشبقي العنيف.
وفي كل الأحوال تبدو المرأة خاضعة لجنسها و هذا الاستنتاج يؤدي إلى القول بشأن الجدل الذي يعارض بين الرجل و المرأة،ويقول ألان تورين في هذا الصدد * لا يمكن للنساء تأكيد وجودهن كذوات فاعلة الا برفضهن التحديد حصرا بعلاقات التغاير الجنسي التي تربطهن بالرجل ، وبما تفرض عليهن هذه العلاقة تأديته من وظائف اجتماعية من الممكن أن يأخذ هذا التحرر شكل المناداة بهوية أنثوية قائمة بذاتها أو حتى تتفوق النساء على الرجال ، إن لعبنا لعبة النفسية الأنثوية وقعنا سريعا في تصوراتهم التي لا تتناسب مع الهيمنة الذكورية، الا أنه يمكن الاعتقاد أنها من خلقها وابتكرها .
إن النساء اللواتي يسلكن هذا الطريق لا يلبثن أن يطالبن باللطف و الرقة في رهافة الشعور أي في كل الخصال الغريبة عن الرجل القناص و الجندي الفاتح،
وتخالف هذا التوجه بل تعارضه تلك الحركة التي تنبذ الاستقطابات في صورها الأعم التي تتمثل في الذكورة و الأنوثة وبإلغائهن للسيطرة الواقعة عليهن من الرجال، و في القريب المباشر أيضا نرى أصابع الاتهام توجه كل يوم لا إلى الهيمنة الذكورية فحسب، بل إلى أكثر نتائجها مباشرة  وجميع هذه النزعات الكثيرة لا تحارب أشكال محددة من السيطرة بل تدافع ضد الفردية المزيفة في مجتمع استهلاكي ، كل فرد مدعو إلى التصرف وفق ما يناسب مع مميزاته النفسية و الثقافية ...
فللمرأة الدور الأهم في هذا المجال لأنها عبارة عن عرض للاستهلاك الجنسي، و إن الحركات النضالية التي تؤدي فيها دورا محوريا، لا تروم إحلال الهيمنة النسوية محل الهيمنة الذكورية، كما لا تروم تسجيل الغلبة لروح الاستهلاك التي تتلاشى فيه كل علاقات السيطرة .
إن النساء رغم أنهن في وضعية التبعية و الضعف هن الفاعلات في حركة إعادة بناء التجربة لأنهن صاحبات القضية على المستوى الفردي و الجماعي و قد تساءلت * مونيك ويتينغ *، في معرض نقدها الفرد المستقل عن إمكانية المرأة لكي تؤكد ذاتها كذات فاعلة، و أجابت بالقول انه ؛ لا يمكن من خلال تجاوز الفئتين الجنسيتين الذكرية و الأنثوية، كما قالت أن السحاقيات هن بالنسبة إليها من يحطمن فئة النساء شر تحطيم ، هذا التأكيد لا يحمل الإثبات كما لا يحمل التأكيد، لكنه يبرز أن الانقلاب الذي قامت به السحاقيات الذي جرى تصويره في هذا الكتاب ، لقد كان دور السحاقيات رياديا منذ أنطونيت فوك ، حتى جماعات المثليات * كيير * اللواتي شكلن عند القرن العشرين الوجه الافضل للنسوية ، وبهذا يسهل علينا التبصر بالتحولات الثقافية التي تلتقي كلها لتكون ثقافة تتحدد لدور النساء المحوري وهو استنتاج يتعين علينا الافصاح عنه في لبه:
لقد دخلنا في ثقافة موجهة محكومة من قبل النساء لكن كيف ذلك و الرجال هم مركز السلطة  الأجور متباينة ؟
ذلك صحيح، لكن النساء يملكن حس الأوضاع المعاشة  و القدرة على التعبير عنها ، لأنه من السهل أن نجعل النساء يتكلمن عن النساء عكس الرجال .
ومن الإطارات التي تواجه في النساء ردود رافضة هناك إطارين مختلفين: الأول تواجه فيه النساء ردود فعل سلبية ( الشعوب القادمة من الخارج نموذجا ).
هذا الوضع يدل على رفض الجنسانية الأنثوية خاصة جنسانية النساء غير المتزوجات مما يؤكد أن لب قضية المساواة جنسانية أكثر مما هي التحصيل و المجال الوظيفي .
وثمة إطار آخر تصطدم فيه النساء بمقاومات و يبرز بشكل متزايد في عدد من المدارس والأوساط الاجتماعية حيث يكثر استخدام الأقراص الممغنطة البورنوغرافية و الفتيات يرتدين ثيابا مفرغة، وتتم حيثما تم مشاهدة كليب *أم تي في* و *كليب ام سي ام* التي تزداد إباحية رغم الحضر الأمريكي الذي ينعى عن اظهار العري.
الذات الفاعلة –المرأة
بعد تقهقر نموذج التحديث الأول وزواله، برزت اليوم الحركات النسوية اللواتي كن يتحددن بدونيتهن ، كذوات فاعلة سيعملن جاهدات على قلب علاقات النفوذ بل إلى تخطيها على نحو يتيح لهن القضاء على المنطق الذي كان يقضي عليهن بالدونية.
إن نساء اليوم يفكرن بطريقة أكثر فأكثر تاريخية خصوصا بعد انتصار النسوية، وتخطي الاستقطاب القديم يقودهن لا إلى نبذ انغلاقهن بل إلى ترجمته في الحياة الخاصة، كاللجوء إلى العطلة العائلية ، ويردن الحفاظ على التفوق الذي تمنحهن إياه قدرتهن على الإنجاب وما فتئن يكررن العبارة * طفل إذا شئت ومتى شئت *إن الأطفال بالنسبة لهن هم مصدر سلطة وقوة.
إن النساء مع رفضهن التحديدات القديمة لنوعهن الجنسي يولين جسدهن أهمية أعظم من تلك التي يولونها للرجال.
إن النساء مع رغبتهن في الإبقاء على علاقات الإغراء مع الرجال ، يرفضن الصور التي تبثها عنهن وسائل الإعلام، ولاسيما الدعاوة الإعلانية، فبقدر رغبة النساء جمع شتات التجربة، لم يقتصرن فقط بالعودة إلى النموذج القديم بل بالتصدي لوسائل الإعلام التي انقضت عليهن ، اذ لم يمكنهن الانتقال من موضوع التحرير إلى موضوع إعادة اللحمة المفقودة إلى الثقافة و إلى تجربتهن الشخصية إلا عندما أدركن أن وسائل الإعلام تحطم صورتهن القديمة و الحديثة في آن .
فأي علاقة بين تحركات النساء النضالية ضد الهيمنة الذكورية وتلك التي ترفض أن تتصرف بهن وسائل الإعلام وكأنهن سلعة جنسية ؟
إذا كان لا يجوز للمرأة أن تتحدد بتبعيتها للرجل فقد وجب أن تعيد تحديد علاقتها به. لا وجود لمجتمع أحادي الجنس يسير فيه الرجال و النساء نحو التماثل تدريجيا وتكون الفروق بين الأفراد بل بين أنماط العلاقات الجنسية- أبرز من تلك التي تميز الرجال من النساء بل إن بناء الذات الفاعلة الأنثوي سيوسع برأينا المسافة بين الرجال و النساء لأنه يستحيل على الأولين أن يعيشوا تجربة هؤلاء الجسدية نفسها.
ينبغي ايلاء الذات الفاعلة – المرأة مكانة مركزية والإقرار باستقلال الجنسانية عن كل الأدوار الاجتماعية ولاسيما البناء الذكوري الذي اسمه النوع الجنسي. وعليه ، فالذين يعتقدون بتحويل المرأة تدريجيا إلى مجرد غرض جنسي ، في إطار العملية الهادفة إلى إثارة المجتمع  بكامله جنسيا، يخطئون كليا لأن تحرير الجنسانية يوطد بناء الذات كذات فاعلة، نظرا إلى مساهمته في تحطيم صورة المرأة الخاضعة  لسلطة ذكورية، كان يفرضها عليها احتكار علاقة التغاير الجنسي التي تجعلها في موقع الخاضعة للهيمنة .
من الملائم حسب ألان تورين أن نتحدث على مجتمع نساء ولكن أيضا يجب تحاشي الكلام عن تأنيث المجتمع فمن شأن ذلك أن يدخل من جديد الفكرة الخاطئة التي تبقى بالنساء طبعا دائما وعاما.
إن تقدم التصنيفات الثقافية على التصنيفات الاجتماعية لا يعني حلول الرقة مكان القوة و اللذة مكان الواجب.ولا علاقة لما أورده هنا بعلم النفس بل بتاريخ الثقافات ، لكن النساء هن من يحملن التحولات الثقافية الراهنة.
فالنساء عكس الرجال عندما يحققن السيطرة، يثبتن تفوقهن بقدرتهن على متابعة مهمات عديدة في وقت واحد. إنهن يعملن بطريقة قوامها الازدواج الذي يمكن من الجمع ولا يجبر على الاختيار، وقد بتنا حقا نعيش في عالم قائم على الازدواج. فقد أثبتت *سيمونيتا تابوني* في دراستها حول عدد من الشبان و الشابات  في ايطاليا ، أن النساء يرفضن الاختيار ما بين حياة شخصية وحياة مهنية، إذ يشعرن بأن ذلك يفقدهن شيئا وليس كل شيء من هذا الجانب وذاك ، و أن أي حل آخر سيكون حلا لا يطاق لأغلبية النساء، أما الرجال فلديهم شعور بأنهم مغلقون ضمن عالم العمل.
هذا الازدواج حسب ألان تورين أضحى اليوم صفة الذات الفاعلة. وهذا النموذج ينطبق في نظره على المرأة ما دامت تعطي الأولوية لبناء عمل نحو تأكيد الذات الفاعلة الحرة و المسئولة.
دور الرجال
ما مكانة الرجل في الثقافة الجديدة ؟
لا يمكن حسب ألان تورين حتى في ثقافة القرون الأخيرة اختصار وضع النساء بالتبعية و الانتقاص و الإقصاء عن الحياة العامة،لأن دورهن في الحياة الخاصة و العائلة وتربية الأطفال يوحي بشيء آخر.
إن طرح ألان تورين ينبني على فكرة مفادها : أن النساء هن من تقع على عاتقهن مهمة القيام بالمشروع العظيم مشروع جمع شتات العالم وتجاوز المتعارضات الثنائية القديمة .
لكن ما دور الرجال ؟
لا يمكن طبعا أن يقتصر هذا الدور على إدراك واقع فقدان الهيمنة ، كما يشهد العنف المرافق لحالة فقدان الهيمنة هذا ، عنف جسدي مباشر تعانيه النساء اللواتي يقع عليهن فعل الضرب، وعنف نفسي يتمثل في انقطاع الانتماءات الاجتماعية، فالرجال الذين حرموا من الهيمنة في نظر ألان تورين لا يجدون الا العنف ملاذا ومتنفسا لهم.
ورغم أن معظم ميادين المعرفة من اختصاص الرجال إلا أن العلم نفسه، وضعه ألان تورين موضع شك ونقد اذ أنه بقدر ما ننتفع بالعلم بإمكان هذا العم أن يدمرنا ، وهنا إحالة إلى الطاقة الذرية وهي بالتالي أول شاهد على هذا الالتباس.
إن المعنى العام للحياة يخفى أكثر فأكثر على الرجال الذين يبحثون داخل دواتهم عن معنى لم يعودا يجدونه ومؤسسات لم يعودا يتحكمون بها.
ان أغلب الرجال في نظر ألان تورين يسعون الى استيعاب مجتمع النساء  لأنه  يحررهم من عبء ثقيل هو عبء احكام القبضة على الطبيعة وتغيير العالم . كما أن عموم المجتمع من نساء ورجال و أطفال يستشعر بشكل ايجابي *غياب* الرجال هذا أي وجودهم خارج الحياة الاجتماعية أكثر منهم في داخلها.
غير ان هذا لا يعني عند ألان تورين أننا نشهد عملية استقطاب جديدة تتمثل في احتلال المرأة موقعا جديدا وتهميش الرجل ، مثل هذا التعبير يتنافى مع الفكرة القائلة التي قام ألان تورين بتوسيعها هنا ، وهي أن مجتمع النساء يهدف إلى بناء  وحدة عالم كان ممزقا، بين عالم يوصف بالفوقية وعالم أنثوي يجري تشييده على نحو يجعله صورة للدونية .
لقد أصبح المجتمع الحديث حيث النساء هن الفاعلات الأساسيات – مزيجا من ذكورة و أنوثة أو ان شئت جبالا صامدة تتفاوت صلابة بحكم تفاوت أجزائها بين التذكير و التأنيث هذا المزيج بل الجمع بين المذكر و المؤنث  هو الشاهد على بناء نمط من المجتمعات .
ان المزج بين المذكر والمؤنث أقوى لدى النساء منه لدى الرجال ( الرجال غيبوا النساء ، وشتتوا العالم ).
في الماضي كان هناك اتجاه الى المطابقة، بين الحياة الذكورية وحياة الجميع ، كذلك اليوم يجري وصف المجتمع الجديد بلغة التأنيث ، مما يؤدي تكون عالم فرعي ذكوري ؛ عالم واضح جدا وفي الآن ذاته محروم من المكانة  المركزية التي كان يحتلها ؛ فالرجل أصبح أقل تكاملا و أكثر هشاشة مقارنة بالأمس.فقد كان في الماضي يسيطر على الكلمة و الآن يجد صعوبات حتى في التواصل بعد أن كان يسيطر على الكلام .
ما بعد النسوية
إذا كانت النسوية قد حققت نتائج عظيمة فان النسوية المتأخرة قد تخطت في الأهمية النسوية نفسها الى حد بعيد، ان النسوية المتأخرة في نظر ألان تورين هي التي ستحقق الانقلاب الثقافي – انقلاب في منتهى الأهمية سيتيح لنا العبور من مجتمع الرجال الى مجتمع النساء ، هذه التحولات تتم عبر تغلغل في ذاتية كل فرد ؛ رجلا كان أم امرأة ، لأنها تميل الى أن تجعل من كل فرد ذاتا فاعلة.
ان ما حققته النسوية المتأخرة يمكن من فهم المشهد الاجتماعي كله ومشكلاته الجديدة فقد خفت نجم الفاعلين الاجتماعيين و السياسيين والأحزاب ،النقابات وإيديولوجياتها ، لقد نفذ ارث الحركة العمالية العظيم، مثلما نفذ قبل ذلك بقرن ارث الثورة الفرنسية  و الحركات المطالبة بحق المواطنة ، لكن أصواتا، ووجوها أخرى حلت محل هؤلاء الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين ، هي أصوات الذات الفاعلة الشخصية ووجوهها .هذه الذات الفاعلة هي امرأة بالدرجة الأولى لكنها حاضرة أيضا في أقليات الثقافية.
بل ان مفهوم الديمقراطية عند ألان تورين اليوم  يتجلى في احترام الأقليات أكثر من موافقته على تحديدها بأنها حكم الأكثرية. لقد دخلنا حسب الرجل الآن في مجتمع نساء لذا كان خير سبيل الى الدخول في السوسيولوجيا العامة هو تنظيم أبحاث عن النساء.
خلاصات واستنتاجات


             القيمة المضافة لمؤلف ألان تورين عموما و لفصله الثالث خصوصا : أنه جاء بجديد بخصوص مقاربة النوع .
فمع ألان تورين لم نعد نتحدث عن هيمنة ذكورية، بل عن  نموذج حضاري جديد تحتل النساء مركزه ، بوصفهن دواتا فاعلة؛ بمعنى دواتا متحررة من كل سلطة تمنعهن من تحقيق حريتهن .
من جهة أخرى عمل ألان تورين في هذا الفصل بالذات، على التركيز على أهمية الجسد و التطور الحاصل في التكنولوجيا و التطور الطبي في تحقيق هذا الانقلاب حي أصبحت بيولوجية المرأة وسيكولوجيتها في نفس الآن  تعملان لصالحها بعد أن كانتا تعملان ضدها في النموذج الحضاري المتقهقر: وقد اعتمد في هذا الصدد على موضعة مسار الحركات النسوية بأوربا و الولايات المتحدة الأمريكية ، وهذه الحركات في نظره حققت نتائج عظيمة على مختلف الأصعدة ؛ ورغم ذلك فقد وجه لها انتقادات لاذعة خصوصا لتلك اللائي يعملن في العمق على إبدال الهيمنة الذكورية بهيمنة أنثوية ، وقال بأهمية الحركة النسوية المتأخرة في حدوث هذا الانقلاب الثقافي الذي أتاح الانتقال و العبور من مجتمع رجال إلى مجتمع نساء ، ويقول بهذا الصدد : ** إن من يتولى إبداع الجديد هن أولئك اللواتي كن عنوانا للتبعية ، و اللواتي يعتزمن الآن تخطي التعارض  القائم بين الرجال و النساء أكثر مما يطمحن إلى إبدال الهيمنة الذكورية بهيمنة أنثوية ..**.
من خلال هذه النقط وغيرها كثير، يتبين جليا بأن لمؤلف ألان تورين قيمة مضافة في مقاربة النوع ، إذ يتحدث على خلاف ما أثير من قبل من نقاشات محتدمة بهذا الخصوص عن نموذج حضاري جديد تحتل النساء مركزه، حيث يشغلن مركزا مهما في مجتمع الآن ورغم أهمية هذه النقطة إلا انه لا ينبغي أن نفهم من كلامه هذا أنه يتحدث عن هيمنة أنثوية حلت محل هيمنة ذكورية ، و إنما ركز ألان تورين في هذا الصدد على مركزية النساء في مجتمع الآن، نظرا لما يتسمن به من طاقات سيكولوجية و ما يحملنه من تغيرات ثقافية  وقدرة على تغيير النموذج الحضاري المتقهقر  ويقول بهذا الصدد : **..ما أسعى إليه في هذا الفصل بالضبط هو إظهار انقلاب النموذج الثقافي الذي رأى النساء يبلغن إلى الدور المركزي ، مما لا يعني أنهن أصبحن متفوقات مهنيا و ثقافيا على الرجال ، بل إنهن يشغلن مكانة محورية في الحضارة الجديدة ..**.
لكن على الرغم من أهمية هذه النقط إلا أنه من الملاحظ في تحليلات ألان تورين ما يلي :
Ø    مبالغته في اعتبار النساء من يشغلن مركز الحضارة الجديد : حيث أن النساء في كثير من المجتمعات لا يزلن يرضخن لسلطة العرف و الثقافة و الهيمنة الذكورية
Ø    تحليلاته ظلت أسيرة بعض المجتمعات الأوربية و و.م.أ وكأنه يختزل نموذج الحضارة الجديد في هذه المجتمعات دون غيرها ..
Ø    تحليلاته اعتمدت بالخصوص على النظري من الأعمال ولم يقدم إحصائيات و أرقام تؤكد صحة فرضياته و تحليلاته ، لهذا من الضروري إعادة التحقق من نتائج تحليلاته وقراءاته النظرية والنقدية لمسار الحركات النسوية و غيرها .                                                                                              





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الشعر الأمازيغي "باهبي ونماذج من أشعار أيت مرغاد"

  يعتبر الشعر أو "تامديازت" الشكل الأكثر تعبيرا عن حياة الإنسان الأمازيغي وفلسفته في الحياة، الشيء الذي يكشف عن غنى هذا الشكل الأدبي شكلا وعلى مستوى المضمون أيضا، فقد عني الإمديازن أو الشعراء الأمازيغ عناية فائقة بتقديم قصائدهم بقالب جميل الشكل غزير المضمون، وقام التنافس على أشده ولم يقعد بين كبار الشعراء الأمازيغ في مختلف المناطق التي يستوطنوها، بل إن التنافس وصل حد التراشق بالكلمات المصقولة أمام الجماهير في الأعراس والاحتفالات الطقوسية وفي مختلف التجمعات القبلية الأخرى.

مواصفات المقاول الناجح

ما دمت إنسانا يمتلك العقل والإرادة فأنت قادر على النجاح، لكن، يلزمك اتباع بعض أسس التفكير المنتج والذي من شأنه قيادة مشروعك لتحقيق النجاح. في هذه المحطة سنتحدث عن أهم مواصفات المقاول الناجح، بدونها يصبح المشروع مهددا بالانهيار في أي وقت، وهذه المواصفات هي كالآتي: 1- الثقة بالنفس: بدون الثقة في الذات يصعب عليك الإستمرار في بناء أي مشروع كيفما كان، فالثقة – هنا - عنصر هام لا محيد عنه في نجاح المشروع، والثقة ليست كِبرا ولا غرورا، بل هي الواقعية والالتزام في العمل وفق خطة محكمة معدة سلفا، كما أنها إيمان قوي بقدرة الذات على قيادة سفينة المشروع إلى بر الأمان رغم التحديات والعراقيل التي ستواجهك في الطريق. 2- الرغبة والقدرة: ونعني بـ"الرغبة" هنا توفر الإرادة الجامحة لإنجاح المشروع والتحفيز الذاتي المستمر والتفكير الإيجابي لحصد النتائج وتجاهل التسويف والمماطلة والتأجيلات. وأما "القدرة" فنعني بها القدرة على التعلم وشغف البحث والإطلاع في مصادر المعرفة المتنوعة والواسعة والتي من شأنها دعم معرفتنا وإغنائها لتزيد رؤيتنا وضوحا. فالمعرفة قوة والقدرة على تحصيل

أهم نظريات التنشئة الاجتماعية

النظرية البنائية الوظيفية : ويمكن القول بأنها نظرية تستمد أسسها من النظرية الجشطالتية في علم النفس و التي تدور فكرتها المحورية حول تكامل الأجزاء في كلّ واحد، بتحليل العلاقة بين الأجزاء و الكل، بمعنى أن كل عنصر في المجموعة يساهم في تطور الكل. فأصحاب هذه النظرية يرون في الأفراد و الجماعات أو أي نظام أو نسق اجتماعي يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة، و بالتالي فان كل جزء من أجزاء النسق يكون وظيفيا، تماما كجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء ولكل جزء وظيفته [1] . و تشير النظرية البنائية الوظيفية؛ إلى أن كل أسرة نسق فرعي للنسق الاجتماعي، تتفاعل عناصره للمحافظة على البناء الاجتماعي وتحقيق توازنه. وتركز هذه النظرية على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة و الوحدات الاجتماعية الكبرى، من خلال الدور الذي تؤديه في عملية التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد في المجتمع . نظرية التحليل النفسي: ترى مدرسة التحليل النفسي، أن الجهاز النفسي للفرد يتكون من الهو والأنا والأنا الأعلى [2] . ويمثل الهو الجانب اللاشعوري من شخصية الفرد، وبالتالي فهو يميل إلى تحقيق غرائزه الفطرية؛ من مأكل ومشرب وجنس...الخ. ل